ونحن ندع له إنشاء هذا اللفظ لينحلّ له ذلك المعنى الغير المتصوّر كرامة له وكراهة للمنازعة معه . وقد ذكر هذا الأستاذ في بعض كلامه : أنه لا يمكن استعمال اللفظ في معنيين إلاّ إذا كان المستعمل أحول العينين [1] . وما هذا إلاّ خطابة حسنة ، ولكن أحسن منها أن يقال : إنه يكفي في ذلك أن لا يكون ذا عين واحدة فإذا كان ذا عينين أمكنه استعمال العين في معنيين . واعلم ، أنّ أقوى أدلَّة الإمكان وأسدّها الوقوع ، وهذا النحو من الاستعمال واقع كثيرا ، وهو في كثير من المواقع حسن جيّد جدّاً . وعليه تدور رحى عدّة من نكات البديع كبراعة الجواب والتورية وأحسن أقسام التوشيع ، فانظر - إذا شئت - إلى قول القائل في مدح النبيّ الأكرم والحبيب الأعظم صلَّى اللَّه عليه وآله ، من البسيط : المرتمي في دجى ، والمبتلى بعمى * والمشتكي ظمأ ، والمبتغي دينا يأتون سدّته من كل ناحية * ويستفيدون من نعمائه عينا تراه قد استعمل الكلمة الأخيرة من البيت الثاني في معان أربعة يوضّحها البيت الأوّل . وإلى [2] قول القائل في جواب السائل ، من الكامل : أيّ المكان تروم ثمّ من الَّذي * تمضي له فأجبته المعشوقا أراد بالكلمة الأخيرة معناه الاشتقاقي ، وقصرا كان للمتوكّل بسامراء . وقول المشتكي طول ليلته ودماميل في جسده : « وما لليلتي وما لها فجر » . ولا أدري ما ذا يقول المانع في هذه الأبيات الثلاثة ونظائرها الكثيرة ، فهل
[1] كفاية الأصول : 54 - 55 [2] معطوف على قوله : فانظر إذا شئت إلى قول القائل . وكذا ( قول المشتكي ) [ الآتي ] . ( مجد الدين ) .