أنّ لحاظه هكذا في إرادة معنى ينافي لحاظه كذلك في إرادة الآخر ، حيث إنّ لحاظه كذلك لا يكاد يكون إلاّ بتبع لحاظ المعنى فانيا فيه فناء الوجه في ذي الوجه ، والعنوان في المعنون ، ومعه كيف يمكن إرادة معنى آخر معه كذلك في استعمال واحد مع استلزامه للحاظ آخر غير لحاظه كذلك في هذا الحال . وبالجملة ، لا يكاد يمكن في حال استعمال واحد لحاظه وجها لمعنيين ، وفانيا في الاثنين إلاّ أن يكون اللاحظ أحول العينين » [1] انتهى . أقول : وهذان الكلامان [2] مغزاهما [3] واحد ، وهو إثبات درجة رفيعة للاستعمال فوق ما نعرفه من الكشف عن المراد ، والدلالة على المعنى بواسطة الوضع فكأنه كلام [4] أخذ من كتب أهل المعقول فجعل في غير موضعه من كتب الأصول ، ولا أظنّ الوالد ، ولا هذا الأستاذ ينازعان في إمكان الكشف عن المراد بغير هذا الطريق الَّذي سمّياه استعمالا ، بل على نحو العلامة الَّذي صرّح بجواز جعله لأشياء متعدّدة ، ونحن لا نتصوّر قسمين للإفهام يسمّى أحدهما استعمالا ، ويكون إلقاء للمعنى ، وفناء للَّفظ فيه ، ونحو ذلك من التعبير ، ويسمّى الآخر علامة تدلّ على المراد ، فإذا ضممت إلى ذلك ما عرفت من أنّ الإفهام في المحاورات ليس إلاّ بجعل الألفاظ علائم للمعاني ، ارتفع النزاع بيننا وبينه ، وصحّت لنا دعوى الاتّفاق على الإمكان حتى في متعارف المحاورات ، ولم يبق إلاّ النزاع في تسمية ذلك بالاستعمال وعدمها ، وهذا نزاع لفظي بحت لا طائل تحته ،
[1] كفاية الأصول : 36 . [2] أي كلام الوالد [ صاحب التفسير ] والأستاذ [ صاحب الكفاية ] . ( مجد الدين ) . [3] أي مفادهما ومعناهما واحد . ( مجد الدين ) . [4] لا يخفى أن ما ذكره صاحب الكفاية وغيره من [ أنّ ] الاستعمال عبارة عن فناء اللفظ في المعنى فناء الوجه في ذي الوجه ، والمرآة في المرئي ، والعنوان في المعنون ، ادّعاء محض ، بل دقّة عقليّة في مسألة لغويّة أدبيّة محضة من غير مناسبة . ( مجد الدين ) .