ذلك التعهّد الَّذي عرفت أنه حقيقة الوضع ، لأنّ شموله لجميع الاستعمالات بالعموم ، فيمكن تخصيصه ببعض دون بعض ، ويتعهّد في بعض استعمالاته للَّفظ بغير تعهّده الأول مثلا تعهّده بأنه لا ينطق بلفظ العين إلاّ إذا أراد إفهام الجارحة [1] يعمّ جميع استعمالاته له ويشملها بالعموم ، فيخصّص بالوضع الثاني بغير ما إذا أراد إفهام الذهب ، فمرجع الوضعين إلى أنه لا يتكلَّم بهذا اللفظ إلاّ إذا أراد أحد المعنيين ، وبحكم الوضع يعرف نفي غيرهما من المعاني ، ويبقى تعيين أحدهما في عهدة القرينة ، ولهذا تسمّى القرينة فيه معيّنة . وإذا عرفت حقيقة الحال في المشترك لا يصعب عليك البيان في المترادف الَّذي هو عكسه . ومن منع وقوعهما لزعمه أنّهما منافيان لحكمة الوضع فقد أخطأ المرمي ولم يصب المحزّ ، إذ كثيرا ما تقتضيهما الحكمة وتدعو إليهما قواعد الفصاحة ونكات الصناعة . ومع ذلك كلَّه فلا يذهب عليك أنّهما قليلان جدّاً بحسب أصل اللغة ، فكثير من الألفاظ التي ترى أنها مترادفة في بادئ النّظر موضوعة لمعان متقاربة ، والتي يدّعى أنها مشتركة لفظا موضوعة لمعنى واحد فتكون مشتركة معنى ، وما كان منهما على حقيقة الاشتراك والترادف فمنشؤهما تداخل اللغات وحدوث الأوضاع التعيّنيّة وكثرة الاستعمالات أو المسامحة فيها باستعمال اللفظ فيما يقارب معناه ، وإلاّ فمن البعيد حدوثهما من واضع واحد ، هذا . وأما استعمال اللفظ في أكثر من معنى واحد ، فأكثر المتأخّرين على المنع
[1] لعلَّه غلط مطبعي ، وصحيحة : الجارية أو الباكية أو غيرهما من معانيها المعروفة ، والأوّل أظهر لتشابه اللفظين . ( مجد الدين ) .