إفهامه هذا المعنى لا ينطق بغيره عرف المراد ، وتمّت الدلالة عنده من غير احتياج إلى تكلَّف جعل ارتباط أو إنشاء اختصاص ، كما أنّ من الواضح عدم حصول فهم المعنى المراد إذا لم يعلم منه التعهّد المذكور ولو صرح ألف مرة بإنشائه الاختصاص أو جعله للعلاقة . وكيف يفهم مراد اللافظ به إذا علم عدم تعهّده بما عرفت ، بل عرف من حاله أنه في كل استعمال يريد به غير ما قصده في استعمال آخر . وأما البرهان على ذلك ، فتقريره : أنّ دلالة الألفاظ - كما عرفت - ليست بذاتيّة ، وتغيير الذاتيات رفعا ووضعا مستحيل ، باتفاق العقول ، فكما لا يمكن سلب دلالة الدخان على النار ، كذلك لا يمكن جعله - مثلا - دليلا على الماء . وإن شئت قلت : إنّ الدلالة من المعقولات الثانية أعني أنها كالمحاذاة والفوقية ، لا يكاد تنالها يد التصرف ابتداء ، فكما أنّ جعل المحاذاة بين الجسمين لا يمكن إلاّ بالتصرف في أحدهما أو فيهما معا ، كذلك لا يمكن جعل الدلالة بين اللفظ والمعنى إلاّ بالتصرف فيما يقع تحت القدرة والاختيار من قصر أحد الألفاظ على أحد المعاني . فالقائل بأنه جعل ارتباط ، أو نحو اختصاص ، إن أراد به نحو اعتبار يلحق الألفاظ بعد التعهّد المذكور فلا ننازعه في ذلك ، وإن أراد به كون الارتباط ونحوه مجعولا ابتدائيّا للواضع فهو مردود عند قاضي الإنصاف بشهادة العدلين : الوجدان والبرهان . وبمثل ذلك نقول في جميع الإنشاءات من العقود والإيقاعات ، وليس المقام مقام تفصيل القول فيه ، ولكن نقول بالإجمال : إنّ جعل العلاقة بين الزوجين ابتداء بإجراء صيغة النكاح غير معقول ، إذ الألفاظ قوالب المعاني ، فلا تكلَّف إلا بما في وسعها من الكشف عن المرادات لا تغيير الذاتيات وإيجاد المعدومات ، إذ ليس ألفاظ المعاملات من باب عزائم