وقد عرّف الوضع تارة بأنه ( تعيين اللفظ للدلالة على المعنى بنفسه ) [1] . وتارة بأنه ( نوع تخصيص ينشئه الواضع ) [2] ومرجعه إلى قصر اللفظ على المعنى . وتارة بأنه ( نحو اختصاص اللفظ بالمعنى ) [3] أو ( تعيين شيء لشيء ) ( 4 ) إلى غير ذلك من التعاريف ، المتقاربة في المراد ، المتشابهة في الإجمال ، مما يقف عليه من تصفّح كتب القوم ، وتفحّص عنها ، بعضها تعريف له بالمعنى المصدري ، وبعض له بالمعنى الحاصل منه . ولا أرى لك صرف نقد الوقت في انتقاد هذه التعاريف ، وفيما يرد عليها طردا وعكسا ، بل أرى أن تسالم هؤلاء جميعا ، وتصرف عنان الهمّ نحو معرفة ما يحصل به ذلك الاختصاص ، أو التخصيص ، أو التعيين ، أو الارتباط ، ويتوصل بذريعته إلى هذه الأمور ، ويترتب عليه المقصود من جعل الدلالة . ولا يمكن جميع ذلك إلاّ بالتعهد أعني تعهّد المتكلَّم للمخاطب ، والتزامه له بأنه لا ينطق بلفظ خاص إلاّ عند إرادته معنى خاصا ، أو أنه إذا أراد إفهامه معنى معيّنا لا يتكلَّم إلاّ بلفظ معيّن ، فمتى تعهّد له بذلك وأعلمه به حصلت الدلالة وحصل الإفهام ، ولا يكاد يحصل بغير ذلك . فلنا في المقام دعويان : حصول الوضع بالتعهد المذكور ، وعدم إمكان حصوله بغيره . أما الأول فظاهر ، إذ من الواضح أنّ السامع إذا عرف التزام المتكلَّم بأنه لا يطلق لفظ الأسد - مثلا - إلاّ على ذلك الحيوان المفترس ، وأنه عند إرادته
[1] [ راجع ] الفصول [ الغروية ] في مبحث الوضع [ : 14 ] ( منه ره ) . [2] [ راجع ] الفصول [ الغروية : 54 ] في مبحث استعمال المشترك ( منه ره ) . [3] [ راجع ] كفاية الأصول [ : 9 ] ( منه ره ) . نقله في الفصول [ : 54 ] عن بعضهم . ( منه ره ) .