على مخالفة الواقع اللازمة من العمل بذلك الطريق ، لا إدراك المصلحة الواقعيّة ، ولهذا اتفق العقل والنقل على ترجيح الاحتياط على تحصيل الواقع بالطريق المنصوب في غير العبادات ممّا لا يعتبر فيه نية الوجه اتّفاقا ، بل الحقّ ذلك فيها أيضا ، كما مرّت الإشارة إليه في إبطال وجوب الاحتياط » [1] . أقول : إن تمّ ما ادّعاه من الفرق بين المقلَّد وبين ما نحن فيه - ولا يتمّ على إطلاقه ، كما ستعرف - فإنّ الأمر في القضاء بالعكس ، إذ لمعرفة المحقّ من المبطل في الدعاوي طرق منضبطة يجري عليها العقلاء من كلّ قوم وملَّة يفصلون بها بين الخصوم ، ويصيبون الواقع غالبا ، بل إلاّ نادرا . وحينما ترى قاضي العرف إذا رفع إليه دعوى السرقة ينظر إلى حال المتداعيين ، فإذا رأى المدّعي صالحا مثريا لم يعهد منه قط ارتكاب مأثمة ولا ادّعاء باطل ، ورأى المدّعى عليه خليعا [2] ، صعلوكا [3] ، حرفته الشحاذة [4] ، وعادته السرقة ، ماهرا في حرفته ، جاريا طول عمره على عادته ، قد قطعت للسرقة يده ، وكم سوّد بالسياط جلده ، ورآه جماعة واقفا ساعة التهمة على باب الدار ، وآخرون متسلَّقا حائط الجار ، فبعد الاستنطاق والاستخبار ، واستقصاء الشواهد والآثار يحكم عليه بها ، مصيبا في حكمه ترى قاضي الشرع لا يسعه مع ذلك كلَّه بعد فقد البيّنة إلاّ تحليفه ، مع علمه بأنّه لا يتحرّج من ألف يمين على فلس واحد . ولعلّ الشيخ لهذا أمر بالتأمّل ، وعدل عنه إلى ما هو أبعد وأعجب ، وهو احتمال أنّ الشارع لم يلاحظ الواقع في نصب الطرق ، وأعرض عنه ، وجعل مدار قطع الخصومة على الطرق التعبدية .