العنوانين مما يمكن اجتماعهما في الذهن وتعقّل أحدهما مع الآخر ، ولو فرض عدم إمكان اجتماعهما في الذهن لم يمكن وقوع الكسر والانكسار بينهما ، بل يكون العنوان المطلوب مطلوبا بلا تقييد ، وكذلك العنوان المبغوض ، إذ لا تقييد إلاّ مع تعقّل المنافي واجتماعهما في الذهن ، بل ولا إطلاق لأحدهما بالنسبة إلى الآخر ، لأنّ ما لا يصحّ تقييده لا يصحّ إطلاقه ، كما مرّ توضيحه في مسألة الضدّ ، ونحوها . رابعها : أنّ العناوين الناشئة عن الحكم ، والتي تعرض الموضوعات بعد تحقق الحكم ، لا يعقل أن تكون ملحوظة مع الحكم ومتصوّرة معه ، لتأخّرها عنه طبعا ، فلا يكون للحكم بالنسبة إليها إطلاق ولا تقييد ، وذلك كالإطاعة والعصيان ، فإنه لا يعقل تقييده بأحدهما ، كأن يقول : افعل بقيد أن تفعل ، أو بقيد أن لا تفعل ، ولا الإطلاق كأن يقول : افعل ، فعلت أو لم تفعل ، وهذا أيضا ممّا مرّ توضيحه مرارا . ومن هذا القسم كون الحكم مشكوكا أو مظنونا ونحوهما ، لأن الشك والظن في الحكم ممّا يعرض الموضوع بعد تحقّق الحكم ، فلا يمكن أخذهما فيه ، فإذا أراد الشارع تحريم الخمر مثلا ، فإنه يمكن أن يلاحظ الإطلاق بالنسبة إلى جميع أصنافها ، أو يقيّدها بما كانت متّخذة من التمر أو العنب ، ولا يمكن ملاحظة شيء من الإطلاق والتقييد بالنسبة إلى كونها مشكوكة الحرمة ، وليست هذه الجهة ممّا يتعقل مع الحكم ليقع بينهما الكسر والانكسار ، وإذا اتّضح هذا كلَّه ، نقول : إنّ الحكم الواقعي وهو الحرمة - مثلا - موضوعه ذوات المحرّمات من غير ملاحظة كونها مشكوكة الحرمة أو مظنونها ، وموضوع الحكم الظاهري هو تلك الذوات مع ملاحظة كونها مشكوكة الحكم ، ولو فرضنا تحقّق جهة المحبوبيّة - مثلا - لها بهذا اللحاظ لا يقع بينهما وبين المفسدة الواقعية تزاحم أصلا ، فتكون الحرمة حكم الموضوع بحسب الذات ، والحليّة ، بل والاستحباب - مثلا - حكمه بلحاظ كونه مشكوك الحكم .