عنها الانقياد الاصطلاحي والإطاعة الواقعيّة ، ولولاه ما استحق ذلك عقابا ، ولا هذا ثوابا ، بل هما معنى الإطاعة والعصيان ، والمناط في القرب والبعد ، فالتجرّي مصداق لهذه العناوين ومحقّقها في الخارج ، لا ملازم معها . ومنه يظهر استحالة الفرض الَّذي فرضه ، أعني المتجرّي غير المستخف ، إلاّ أن يريد من هذه العناوين ما يزيد على الحاصل منها بنفس التجري ، ولا يناسب ذلك إلاّ الردّ على من أراد تكفير المتجرّي ، لا الحكم عليه باستحقاق العقاب . فتلخّص أنّ التجري يشارك المعصية الواقعيّة فيما هو مناط القبح واستحقاق العقاب ، ولا تزيد هي عليه إلاّ في ترتب المفسدة الذاتيّة والمبغوضية التكوينية عليها دونه ، أعني القبح الفعلي ، وقد عرفت بما لا زيادة عليه أنّ المناط في الاستحقاق هي الجهة الأولى لا الثانية ، وان العقلاء لا يذمّون العاصي إلاّ من جهة القبح الفاعلي لا الفعلي ، وقد نبّه الشيخ الأعظم على قبح التجرّي [1] ، ولكن جعله من جهة كشفه عن سوء سريرة المتجرّي ، وكونه في مقام الطغيان والمعصية . ويتّجه عليه أنّ التجري مصداق للاستحقاق ونحوه ، وأنه هو بالحمل الشائع ، وهو موضوع لحكم العقل بالقبح واستحقاق العقاب زيادة على ما يستحقّه من الملام على سوء السريرة . ويرشدك إليه حكم الوجدان بالفرق الواضح بين من علم سوء سريرته بإتيان ما يقطع بحرمته ، وبين من علم منه ذلك بعلم الرمل مثلا ، وبين حاله قبل الإتيان به وبين حاله بعده ، والذمّ في الأوّل متوجّه على خلقه ، وفي الثاني على فعله ، وشتّان بين ذمّ الشخص وبين ذمّ الفعل . فظهر أنّه لا مناص للقائل باستحقاق العاصي العقاب عقلا عن القول