والحال في حجّية هذا المفهوم يظهر ممّا سبق في أوّل البحث من معنى المفهوم ووجه حجيته ، وممّا بيّناه في مفهوم الشرط ، إذ في الوصف لطيف إشارة إلى العلَّية . وملخّص القول فيه : أنّ التخصيص بأمر زائد على الذات لا بد فيه من الفائدة ، ومع القطع بعدم شيء منها إلاّ النفي عن غير الموصوف ، يوجب القطع به ، ويكون اللفظ صريحا فيه ، كما في قولك : صلّ خلف العادل ، ولا تجالس الجاهل ، ومع احتماله واحتمال غيره يكون ظاهرا فيه لأنه أظهر الفوائد وأشهرها وأكثرها ، ومجرّد احتمال غيره لا يضرّ بالظهور كما لا يضرّ احتمال القرينة المعاندة بأصالة الحقيقة . والمفهوم بهذا المعنى وبهذا الوجه ممّا لا ينبغي أن يخفى على أحد ، ومن أنكره في فن الأصول فلا شك أنّه يعمل به في سائر أبواب الفقه ، ويجري عليه في سائر محاوراته ، بل ينكر على من تفوّه بالوصف مع عدم الاختصاص به وعدم الفائدة ، كما في المثالين المعروفين وهما : إن الإنسان الأبيض لا يعلم الغيب ، والإنسان الأسود إذا غمّض عينيه لا يبصر . ولمّا قيل لأبي عبيدة أو تلميذه أبو عبيد في قوله صلَّى اللَّه عليه وآله : ( لئن يمتلئ بطن الرّجل قيحا خير من أن يمتلئ شعرا ) [1] : إنّ المراد من الشعر ما كان في هجاء رسول اللَّه صلَّى اللَّه عليه وآله . قال : « لو كان ذلك المراد لم يكن لتعليق ذلك بالكثرة وامتلاء الجوف
[1] تقدمت الإشارة إلى مصادره في الصحفة 426 والهامش ( 2 ) .