ومن المشهور أنهم عليهم السلام كثيرا ما يفعلون المرجوح المكروه لبيان الجواز ، فهلا صاموا يوم عاشوراء مرّة واحدة لبيان الراجح المستحب . وبالجملة ، أنّ ظني بفكرك الحرّ أنه لا يعدل عن الحقّ الأبلج [1] الَّذي عرفته ، ولا يحتاج بعده إلاّ تصوّر عبادة مكروهة مأمور بها . وإن أبيت إلاّ عن تصوّرها ، فعليك بما حقّقه في الفصول ، ولخصه الفاضل المقرّر ، فقال : « ومحصّله أنّ كراهة العبادة عبارة عن رجحان تركها بقصد القربة على وجه يكون القيد المذكور داخلا في المطلوب ، ولا غائلة في ذلك لأنّ رجحان الفعل يقتضي مرجوحيّة الترك على وجه الإطلاق لأنّه نقيضه . وأمّا الترك المقيّد بقصد القربة فلا ضرر في اتّصافه بالرجحان مع القيد المذكور ، كما أنّ الصوم راجح فعله ، وتركه مقيّدا بإجابة المؤمن أيضا راجح ، ولا مناقضة بينهما ، لاختلاف محلَّي الراجحيّة والمرجوحيّة . وبالجملة فالصلاة [ في الحمام ] [2] فعلها راجح بقصد القربة ، وتركها أيضا راجح بقصد القربة من دون مدافعة ، وإنما التدافع بين رجحان الفعل ورجحان الترك » . هذا ملخّص كلامه وإن أطال في بيان مرامه ، ثم قال : « وفيه أوّلا : أنّ ذلك مبني منه على أن تكون القربة من القيود اللاحقة للمأمور به ، كأن يكون القيد المذكور من وجوه المطلوب ، وقد تقدّم في بحث المقدّمة ما يوضح فساد هذا التوهم . لا يقال : ما ذكره لا يبتنى على ذلك ، بل يتم على تقدير كونه من لواحقه بعد طريان الأمر عليه أيضا .
[1] بلج الحق : إذا وضح وظهر ، مجمع البحرين 2 278 ( بلج ) . [2] الزيادة من المصدر .