وأجاب عنه بما حاصله : « أنه إذا دلّ الدليل على عدم الوجوب نقول : إنّ شرط الوجوب فيه هو القدرة على ذلك الواجب ، وشرائطه في زمان وجوبه ، فيكون من الشروط الشرعيّة ، وليس ذلك تخصيصا لحكم العقل ، إذ القدرة المعتبرة قدرة خاصة بحكم الشرع » [1] . أقول : من الظاهر لدى من عرف طريقة الفقهاء ، أنّ الأصل عندهم عدم وجوب المقدّمات قبل وقت الفعل ، والحكم بسقوط الواجب عن فاقدها في الوقت وإن تمكّن منها قبله وتركها عمدا ، وإذا ثبت عندهم خلاف ذلك - ولم يثبت إلاّ في موارد قليلة لا تبلغ عدد أصابع الكف - عمدوا إلى تأويلها ، بل إلى الاقتصار على اللازم فيها ، فراجع - إن أحببت - كلماتهم في مسألة الغسل قبل الفجر ، تجد المنسوب إلى المشهور عدم الوجوب إلاّ في آخر وقت يمكن وقوعه فيه . حتى أنّ الفاضل المقرّر نقل عن الشيخ الأعظم اعتماده على أنّ ما دلّ على وجوب المقدّمة لا يدلّ على أزيد من ذلك [2] ، وأوضحه بما زاده خفاء على خفاء ، وضغثا على إبّالة [3] ، وظنّي أنّ كلام الشيخ لا يمكن توجيهه إلاّ على القول بالتعليق ، ولو لا مخافة الإطالة لفصّلت القول فيه . وبالجملة ، القول بوجوب مقدّمات الواجب المشروط مطلقا يفتح بابا لا يمكن سدّه ، وأيّ فقيه يلتزم بوجوب الكسب على الغلام أوّل يوم بلوغه إذا علم بأنه يولد له ولد بعد خمسين سنة يجب عليه نفقته ، أو يوجب عليه شراء الراحلة إذا علم بأنه يحصل له من المال فيه بمقدار يستطيع الحجّ به .
[1] مطارح الأنظار : 54 . [2] مطارح الأنظار : 55 . [3] وهو من الأمثال المشهورة . قال في مجمع الأمثال ( 1 : 419 - 2202 ) : الإبالة : الحزمة من الحطب ، والضغث قبضة من حشيش مختلطة الرطب باليابس ، ومعنى المثل : بليّة على أخرى .