كانت أو غيرها ، فإذا كنت في مفازة أعوزك الماء ، وبلغ بك العطش مرتبة خشيت منها على نفسك ، ثم ظفرت بعين عذبة صافية ، فهل ترى نفسك بعد الاعتقاد بأنّ في ورودها رواء غلَّتك [1] متوقّفا عن ورودها ، ومحتاجة في الاغتراف منها إلى شيء آخر تزعمه صفة نفسانية ، وتسمّيه إرادة ، أو ترى اعتقادك علة تامة كافية ، ولا تشعر بنفسك إلاّ وكفّاك ممدودتان نحو الماء ، أو مملوءتان منه . وما قد يصحب هذا الاعتقاد من الشوق المؤكّد وتشتغل نحوه مما تزعم أنه الإرادة بنفسها أو هو من مبادئها فالتأمل يشهد بأنها من لوازم الاعتقاد بالنفع أعني الإرادة ، لا أنه مؤثّر في حصول الفعل ، فضلا عن كونه هي الإرادة بعينها نظير ارتعاد الفرائض ، وخفقان القلب عند الهرب من السبع ، فإنهما من لوازم الخوف ، لا أنهما علَّتان للهرب ، وكذلك تحرّك العضلات نحو الفعل ، فإنه ليس من مبادئ الإرادة كما توهّم ، بل هو فعل اختياري ، فهو مسبوق بالإرادة قطعا . نعم هو أول مقدمة يأتي به المريد بعد اعتقاده النّفع . هذا وقد ذكر بعض مشايخنا لإثبات المطلوب وجوها أخر ، وهي على طولها لا تخلو من مواقع للنظر فيها ، وفي إنصاف المنصف ، ورجوعه إلى وجدانه غنى منها . وإذا اتضح عندك ما قرّرناه ، فاعلم أنّ مطلق ذلك الاعتقاد ليس بإرادة ، بل هي الاعتقاد بنفع أمر ممكن فعلا تحصيله ، غير مترقّب بغير تحصيله حصوله ، فإن تعلَّق بأمر مستحيل فهو التمنّي ، أو بأمر ممكن حصوله ، غير ممكن تحصيله أبدا فهو الترجّي ، وإن كان ممكن التحصيل في زمان متأخر فهو العزم ، أو كان معلوم الحصول من غير احتياج إلى التحصيل فهو الرضا .