وأما إذا قال : زيد موضوع أو ثلاثي ، فإنه لا يريد بلفظ زيد إفهام شيء به ليتحقق الاستعمال ، بل يريد إفهام نفسه ، ولا الحكم على شيء بواسطة اللفظ ، بل يريد أن يحكم عليه بذاته . وبالجملة ، اللفظ قد يلاحظ بما هو حاك للشيء ، وكاشف عنه من غير نظر إلى ذاته أصلا ، ولا داع للتلفظ به إلاّ إراءة الغير ، وهذا مرحلة استعماله ، وهو في هذه المرحلة ليس بمحكوم ولا بمحكوم عليه بحسب الواقع ، وإنما الحكم لذلك الغير . وقد يلاحظ بما هو لفظ فيحكم عليه بما هو من صفاته كقولك : زيد موضوع وثلاثي ، وهو في هذا الحال ليس بمستعمل أصلا ، ولا يحتاج إلى الوضع أيضا إذ الوضع إنّما يحتاج إليه لدلالة شيء على شيء آخر ، ولا دلالة هنا ، ولا استعمال ، ولا وضع ، وما هو إلاّ كالمرآة قد يلاحظ بلحاظ حكايتها عن ما يرى فيها فيترتب عليها أحكام المرئي فيقال : هذا زيد ، وهذا عمرو ، وقد ينظر إليها بذاتها فتنسب إليها صفاتها فيقال : هي صافية أو هي ثمينة ، وهذا كله تطويل ألجأنا إليه حبّ إيضاح الحقّ ، وإلاّ فمن الواضح لدى الفطن اللبيب استحالة اتحاد المستعمل والمستعمل فيه ، ضرورة أنّ الحاكي غير المحكيّ ، والدالّ غير المدلول ، ولا يرفع هذا الخرق بما ذكره الأستاذ - طاب ثراه - في الكفاية في تصحيح الاستعمال في القسم الثالث من قوله : « يكفي تعدّد الدال والمدلول اعتبارا وإن كانا متحدين ذاتا فمن حيث إنه لفظ صادر عن لافظه كان دالا ، ومن حيث إنّ نفسه وشخصه مراده كان مدلولا » [1] انتهى . وذلك لأن المدلول من حيث إنّه مدلول مقدّم رتبة على الدالّ فلا يعقل