نعم قد يجري في الإسناد نظير ما يجري في المفرد والمركّب من المخالفة بين الإرادة الجدّية والاستعمالية ، والاختلاف بين الداعي إلى التكلَّم وإلى المقصود من الكلام ، كقولك لبخيل خامل متهكّما به : أنت الَّذي أطعمت الوفد وبلغت ذروة المجد . وبما قرّرناه في المجازين السابقين تظهر لك الحقيقة ، وقد أدّينا الواجب من البيان فلا يلزمنا الإعادة . هذا ، وقد يعدّ من قبيل هذا المجاز مثل قوله تعالى : في عيشة راضية [1] وقولهم : نهاره صائم ، وليله قائم وشعر شاعر وظلّ ظليل ، وغير ذلك ، ولكن ليس جميع ذلك - فيما أرى - من باب واحد ، بل لكلّ وجه ، بل وجوه في قواعد العربية ، ومخارج في فنون البلاغة ، وبيانها يفضي إلى الإطالة ، والإطالة مظنة الملالة . ( مجاز الحذف ) عدّوا منه قوله تعالى : وجاء ربك [2] وسئل القرية [3] وقالوا : إن التقدير : جاء أمر ربك ، وسئل أهل القرية ، وربّما يعدّان من باب المجاز في الإسناد . أقول : لا ينكر أمر الحذف كأخويه : الإضمار والتقدير ، وكثرته في اللغة ، ولكن عمدة البلاغة الموجودة في الآيتين الكريمتين قائمة بإبقائهما على ظاهرهما من نسبة المجيء والسؤال بالإرادة الاستعمالية إلى اللَّه تعالى ، وإلى القرية ، إذ