في الحالة الثانية موجوداً فيحكم العقل في هذه الحالة على سبيل القطع كالحالة الأُولى وإن لم يكن موجوداً فيحكم العقل بعدمه على سبيل القطع . والحاصل : أنّه لا يعقل الشكّ في الأحكام العقليّة ، لأنّ العقل إن أحرز موضوعه بتمام قيوده وشروطه كان حاكماً قطعاً وإن لم يحرز موضوعه وكان شاكّاً فيه كان حاكماً بعدمه قطعاً ، فلا مورد للشكّ في حكمه حتى يجري فيه الاستصحاب . وما قيل من جريانه فيها بأحد الوجهين أحدهما : أنّه يمكن أن يحكم العقل على موضوع مركّب من عناوين متعدّدة بحكم قطعاً ، ولكن لا يميّز أنّ المناط في أيِّ من هذه العناوين ، فإذا فقد بعض هذه العناوين شكّ في بقاء هذا الحكم كما في حكم العقل بقبح الكذب الضارّ وحسن الصدق النافع ، ولكن لا يميّز أنّ المناط في القبح هو نفس الكذب أو كونه ضارّاً أو غيره من العناوين الأُخر المنطبقة عليه ككونه إغراءاً بالجهل مثلا ، وكذا بالنسبة إلى الصدق النافع يحكم العقل حكماً قطعياً بالحسن على الموضوع المعنون بتمام العناوين المعتبرة في الحكم بحسنه ، ولكن لا يميّز أنّ المناط أيَّ شيء من هذه العناوين ، فيحتمل أن يكون الحكم باقياً لاحتمال بقاء مناطه ، ويحتمل أن يكون زائلا لاحتمال زواله ، فلا مانع من جريان الاستصحاب لتحقّق أركانه ، وهو اليقين السابق والشكّ اللاحق ، فيكون حال حكم العقل على هذا الموضوع المركّب بالقبح أو الحسن مع عدم تميّز ما هو المناط في هذا الحكم كحال الحسن حيث إنّا نرى أنّه يحكم العقل حكماً قطعيّاً ، بحسن شخص أو ملاحته مع أنّه لا يميّز ما هو المناط لحكمه بالحسن أو الملاحة ، وأنّ هذا الحكم هل هو من جهة عينه أو أنفه أو فمه أو شيء آخر منه ، وكحكمه بلذّة طعام مع عدم تميز أنّها من جهة أجزائه أو أدوياته أو طبخه أو سائر جهاته . الثاني : أنّه يمكن أن يكون في هذا الموضوع مناطان للحكم ولكن لم يدرك العقل إلاّ أحدهما ، فبارتفاع المناط الذي أدركه العقل في الحال الثاني لا يلزم ارتفاع الحكم قطعاً لجواز بقائه ببقاء الملاك الآخر .