الاجتناب عن أطراف الشبهة ليس إلاّ من جهة حكم العقل بلزوم دفع الضرر المتحمل ، ففيما كانت أطراف الشبهة كثيرة يضعف هذا الاحتمال في كلّ واحد من الأطراف بحيث لا يعتني به العقلاء ، وفيما كانت الأطراف قليلة لا يضعف هذا الاحتمال بهذه المرتبة من الضعف ، فإذا كان السم في واحد من الألف يحتاج إثبات كون هذا الإناء المعيّن سمّاً إلى نفي ألف تقدير إلاّ واحداً ، بخلاف ما لو كان في واحد من الاثنين مثلا فإنّه يحتاج إثبات كون هذا الإناء سمّاً إلى نفي تقدير واحد ، فتأمّل . فتحصّل : أنّ العلم التفصيلي علّة تامّة لتنجّز التكليف من حيث حرمة المخالفة القطعيّة ووجوب الموافقة القطعية ، وأمّا العلم الإجمالي فهو علّة تامّة بالنسبة إلى المخالفة القطعية ، وأمّا بالنسبة إلى وجوب الموافقة القطعية فهو مقتض ، وحكم العقل بلزوم تحصيلها معلّق على عدم ترخيص الشارع في ارتكاب بعض الأطراف ، فلو لم يكن التكليف فعليّاً من جميع الجهات يمكن للشارع أن يرخّص بالنسبة إلى بعض الأطراف ، ولو كان فعليّاً من جميع الجهات لا يمكن الترخيص بالنسبة إليه ، ففيما كان التكليف فعليّاً من جميع الجهات لافرق بين العلم التفصيلي والعلم الإجمالي في حرمة المخالفة القطعية ووجوب الموافقة القطعية ، فلا وجه لاحتمال عدم وجوب الموافقة القطعية مع حرمة المخالفة القطعية حينئذ ، ضرورة أنّ التكليف المعلوم إجمالا لو كان فعليّاً من جميع الجهات تجب موافقته قطعاً كما تحرم مخالفته كذلك ، وإن لم يكن التكليف المعلوم إجمالا فعليّاً من جميع الجهات إمّا من جهة عدم الابتلاء ببعض أطرافه ، أو من جهة الاضطرار إلى بعض الأطراف معيّناً أو غير معيّن ، أو من جهة تعلّقه بموضوع يقطع بتحقّقه إجمالا في هذا الشهر كأيام حيض المستحاضة مثلا لما وجب موافقته ، بل جاز مخالفته كما ذكره في الكفاية [1] وإن كان في جواز مخالفته في تمام هذه الصور مطلقاً إشكال . ثمّ إنّه لافرق فيما إذا كان التكليف المعلوم بالإجمال فعليّاً من حيث وجوب