كانت الآية دالّة على المدّعى ، لأنّها تدلّ على أنّ الله لا يكلّف العبد بحكم إلاّ الحكم الذي أعلمه ، لكن إرادته بالخصوص ينافي مورد الآية ، وإن أُريد الأعمّ منه ومن المورد يلزم استعمال الموصول في أكثر من معنى . لا يقال : إنّ لفظ " ما " من ألفاظ العموم فلا مانع من أن يراد به معنى يعمّ المعنيين من دون لزوم استعمال اللفظ في المعنيين . لأنا نقول : نعم ، ولكن لو أُريد منه الأعم من الحكم وغيره كان تعلق الفعل به باعتبار كونه عبارة عن الحكم تعلّق الفعل بالمفعول المطلق وباعتبار كونه عبارة عن الفعل المحكوم الذي هو غير الحكم تعلّق الفعل بالمفعول به ، ولا جامع بين التعلّقين إلاّ مفهوم التعلّق ، وهو غير كاف ، بل لابدّ من اشتراكهما في حقيقة التعلّق ، والحال أنّهما بحسب الحقيقة متباينان ، فإذا لم يكن جامع بينهما فلابدّ أن يراد من لفظ " ما " معنيين لكن بين كلّ واحد من المعنيين مورداً لواحد من التعلّقين . هذا هو بيان مراد الشيخ ( قدس سره ) في هذا المقام ، فتأمّل . ولكن يمكن أن يقال : إنّه لا يلزم من إرادة الحكم وغيره من لفظ " ما " استعمال المشترك في المعنيين ، إذ ليس في الآية مفعول مطلق حتى يقال : إنّ تعلّق الفعل به غير تعلّقه بالمفعول به ، بل ليس الاّ لفظ " ما " الذي هو من ألفاظ العموم التي يمكن أن يراد منه الأعمّ من الحكم وغيره ، وتعلّق الفعل به ليس إلاّ تعلّق الفعل بالمفعول به ، ويكون المراد من الإيتاء الإعطاء ، وإعطاء كلّ شيء بحسبه ، فإعطاء الفعل أو الترك الأعمّ من دفع المال وغيره هو إقداره عليه ، وإعطاء الحكم هو إعلامه به . فعلى هذا يصير معنى الآية لا يُكلِّف الله العبد أي لا يدخله في مشقّة شيء إلاّ في مشقّة ما آتاه وأعطاه من الفعل والترك والحكم ، وقد عرفت أنّ الإعطاء في كلٍّ بحسبه ، فعلى هذا لا يلزم استعمال اللفظ في المعنيين ، وتتمّ دلالة الآية على المدّعى . وقول الشيخ ( قدس سره ) : " فافهم " يمكن أن يكون إشارة إلى دقّة ما ذكره في وجه لزوم استعمال اللفظ في المعنيين على ما بيّنّاه ، ويمكن أن يكون إشارة إلى ما ذكرنا