جهة تفقّه وقوّة استنباط ، إذ يمكن أن يكون لشخص كلتا الجهتان جهة الرواية وجهة الفقاهة ، ويمكن أن تنفك الجهتان فإنّ الرواة عن الأئمة لم يكن كلّهم فقهاءً ، بل فقهاؤهم كانوا معدودين ، فحال الرواة الذين لم تكن لهم جهة فقاهة كحال نقلة فتاوى المجتهد في أنّ مجرّد علمه بفتاوى الغير لا يوجب صدق الفقيه عليه . نعم يمكن أن تكون للراوي كلتاهما ، فتكون حجيّة قوله من جهة فقاهته لا من جهة روايته ، ولو عبّر بلفظ الرواية لأنّه يمكن أن يكون مؤدّى اجتهاده وتفقهه على طبق الرواية ، فلذا عبّر بلفظها ، فكأنّه اقتباس من الرواية مثل إذا سئل الفقيه عن أنّ خيار المجلس فوري أم لا ، فأجاب بأن البيّعين بالخيار ما لم يفترقا وأمثاله من الموارد التي تكون الفتوى بلفظ الرواية ، فالرجوع إلى الرواة إنّما هو من جهة فقاهتهم لا من جهة روايتهم ، ومجرّد سماعهم قول المعصوم . والحاصل : أنّ الآية الشريفة في مقام بيان أنّ الأشخاص البعيدة عن منابع العلم المحتاجين إلى تحصيله يجب عليهم كفاية كما هو مفاد قوله : " من كلّ فرقة طائفة منهم " نفر من به الكفاية على حسب اختلاف الفرق قلّة وكثرة ، فربّما تكون جماعة يكون الواحد كافياً لهم ، وربّما تكون جماعة يحتاجون إلى أزيد ليتعلّموا العلم الذي وجب عليهم تحصيله أُصولا وفروعاً ، ثم رجوعهم إلى أهلهم وإنذارهم بما تعلّموا ، وهذا تختلف مصاديقه ، ففي زمان النبيّ ( صلى الله عليه وآله ) والأئمّة ( عليهم السلام ) إنّما كان بالتشرّف إلى خدمتهم وأخذ الأحكام منهم ، وفي هذه الأزمنة بالحضور إلى المراكز العلميّة ، إذ لا شبهة في أنّ النفر إلى المراكز العلميّة وتحصيل الأحكام الشرعيّة عن مداركها من مصاديق هذه الآية الشريفة ، كما أنّ النفر إلى حضور النبيّ ( صلى الله عليه وآله ) والأئمّة ( عليهم السلام ) أيضاً من مصاديقها ، وليست في مقام بيان أنّ خبر العادل ونقله حجّة وإن لم يكن فقيهاً حتى تصير الآية دالّة على حجيّة قول الراوي والناقل عن المعصوم أقواله وإن كان مجرّد نقل اللفظ بلا تفقه لأنّه خلاف ظاهر لفظ التفقّه الذي في الآية . فعلى هذا لا تكون الآية في مقام بيان أمر تعبّدي ، بل في مقام بيان أمر عادي