ومع عدمه فليس بواجب ولا مندوب [1] . وقد أورد عليه بأنّ المتحذّر منه إن كان العقوبة فما ذكر [2] من أنّه لا معنى لندب الحذر مسلّم ، لأنّه مع قيام الحجّة القطعيّة عليها كان الحذر واجباً لوجود مقتضيه ، ومع عدم قيامها لا ندب للحذر ، لعدم احتمالها من جهة الأدلّة الدالّة على قبح العقاب بلا بيان ، وأمّا إن كان المتحذّر منه غير العقوبة من المفاسد فممنوع ، لرجحان الحذر من المفسدة المحتملة كما في تمام موارد الاحتياطات الراجحة الغير اللازمة التي رجحان الاحتياط وعدم وجوبه مسلّم عند الكلّ . الثاني : أنّ الإنذار واجب وغايته - وهو الحذر - واجبة ، لأنّ غاية الواجب واجبة . الثالث : أنّه لمّا وجب الإنذار لكونه غاية للنفر الواجب كما هو قضيّة كلمة " لولا " التحضيضية وجب التحذّر ، وإلاّ لغى وجوب الإنذار ، فإذا ثبت بمقتضى هذين الوجهين وجوب الحذر عند الإنذار فلابدّ أن يكون إنذار المنذر حجّة على المنذر ، ومن جهة عدم الفصل بين الإنذار وغيره من الأخبار لابدّ أن يكون خبر الواحد حجّة مطلقاً ، لأنّ الطائفة لا يلزم أن تكون بعدد المتواتر ، بل تشمل ما دونه حتى الواحد على ما حكي عن بعض أهل اللغة [3] . ولكن في كلا الوجهين نظر بل منع ، وذلك لأنّه ليست فائدة الإنذار منحصرة بالتحذّر عند الإنذار تعبّداً ، لعدم إطلاق يقتضي ذلك ، ضرورة أنّ الآية مسوقة لبيان وجوب النفر لا لبيان غايته التحذّر فليست الآية من تلك الجهة أي غايته التحذّر في مقام البيان حتى يتمسّك بإطلاقها لوجوب الحذر مطلقاً ، ولعلّ وجوبه كان مشروطاً بحصول العلم . والحاصل : أنّه يمكن أن يكون الإنذار واجباً والحذر لم يكن واجباً إلاّ إذا حصل العلم من الإنذار ، وفائدة وجوب الإنذار حينئذ هو بلوغ المخبرين
[1] قاله في معالم الدين : ص 190 . [2] نقله في الفصول الغروية : ص 273 س 10 . [3] النهاية لابن الأثير : ج 3 ص 153 مادة " طيف " .