وفيه : ما ذكره الشيخ [1] ( قدس سره ) من أنّا نختار استحقاق من صادف قطعه الواقع دون من لم يصادف ، لأنّ الأوّل عصى اختياراً دون الثاني . قولك بأنّ التفاوت بالاستحقاق في الأوّل وعدمه في الثاني مستلزم لإناطة العقاب بما هو خارج عن الاختيار . ممنوع ، لأنّ العقاب بما لا يرجع بالأخرة إلى الاختيار قبيح ، إلاّ أنّ عدم العقاب لأمر لا يرجع إلى الاختيار قبحه غير معلوم ، ومراده من عدم العقاب عدم استحقاقه لا العقاب الفعلي ، إذ عدم العقاب الفعلي على الأمر الاختياري ليس بقبيح فضلا عن غير الاختياري ، فتأمّل . وإنكار التفاوت بين من صادف قطعه الواقع ومن لم يصادف قطعه الواقع في استحقاق العقاب وعدمه إنكار للفعل الاختياري مطلقاً ، إذ من قطع بأنّ هذا الشخص زيدٌ وقتله ، وكان زيداً واقعاً لا إشكال في أنّه قتل زيداً اختياراً ويستحق القصاص ، ويترتب على هذا القتل سائر ما يترتب على القتل العمدي ، والحال أنّ مصادفة قطعه للواقع وكونه زيداً أمر خارج عن اختياره ، فالتفاوت بين من صادف قطعه الواقع وغيره إنّما هو من جهة صدور شرب الخمر عن الأوّل اختياراً وعن عمد ، وعدم صدوره عن الثاني كذلك . ولا حاجة في إثبات التفاوت بينهما إلى الأخبار [2] الواردة في أنّ : من سنّ سنّة حسنة كان له أجر من عمل بها ، ومن سنّ سنة سيّئة كان له وزر من عمل بها . فإنّه لو لا تلك الأخبار لقلنا بكثرة عقاب من سنّ سنّة سيئة واتفق كثرة العامل بسنته ، وقلّة عقاب من سنّ سنة سيئة واتفق قلّه العامل بسنّته ، فإذا فرضنا أنّ العامل بسنّة الأوّل مائة والعامل بسنة الثاني خمسون فلا إشكال في تساويهما في عقاب الخمسين ، لأنّ عمل الخمسين بسنتهما راجع إلى اختيارهما ، وهو جعل السنة السيئة ، وأمّا الزائد عليه في الأوّل مستند إليه فيستحق دون الثاني فلا يستحقّ .
[1] فرائد الأُصول : المقصد الأوّل في القطع ج 1 ص 9 . [2] وسائل الشيعة : ب 6 من أبواب مقدّمات العبادات ج 1 ص 35 .