والحاصل : أنّ تصوّر الفرد لا يكفي لوضع اللفظ للجنس ما لم يتصوّر الجنس تفصيلا كما في الفرض أو إجمالا كما في الفرض الثاني . وإذا صار الجنس ملحوظاً حال الوضع فيخرج عن كون الوضع خاصّاً والموضوع له عامّاً ، ويدخل في الوضع العام والموضوع له العام . فظهر أنّ هذا القسم من أقسام [1] المتصوّرة للوضع غير معقول ، وأمّا الأقسام الثلاثة الأُخر فلا إشكال في معقوليتها ، ووقوع القسمين الأوّلين منها . وإنّما الإشكال والكلام في وقوع القسم الثالث فقيل بأنّ وضع الحروف وما يشابهها من الموصولات وأسماء الإشارات من هذا القبيل ، وإنّما التجأوا إلى القول بأنّ الوضع فيها من هذا القسم من جهة أنّ المعنى الحرفي لا يكون إلاّ جزئيّاً ، لأنّه ليس إلاّ الربط بين الشيئين ، ومفهوم الربط معنى كلّي اسميّ مستقلّ بالمفهومية ، فالمعنى الحرفي هو مصاديق الربط لا مفهوم الربط ولا مانع من كون المفهوم معنى اسميّاً كلّياً والمصداق معنى حرفياً جزئيّاً ، كما أنّ الجزئي مفهومه كلّي ومصداقه جزئي ، وهكذا في النسب والإضافات مفاهيمها مفاهيم اسميّة ومصاديقها [2] حرفيّة ، وكما في المعدوم المطلق الذي يتصوّر في الذهن ويحكم عليه . والحال أنّ تصوّره في الذهن نحو وجود له ، فإنّ مفهومه مفهوم المعدوم المطلق ومصداقه مصداق الموجود المطلق ، والجزئيّات لعدم انحصارها أو عدم تناهيها لا يمكن لحاظها وتصوّرها حتّى يوضع اللفظ لها ، وبدون اللحاظ والتصوّر لا يمكن وضع اللفظ لها ، ولا يلزم في الوضع من تصوّر الموضوع له تفصيلا ، بل يكفي التصوّر الإجمالي ، فالجزئيات لوحظت بنحو الإجمال في ضمن لحاظ الكلّي على وجه كونه مرآة لها ووضع اللفظ بإزائها ، فالوضع عام ، لأنّ الملحوظ حين الوضع أمر كلّي والموضوع له خاص ، لأنّه عبارة عن الجزئيات وامتياز هذا القسم من الوضع عن المشترك إنّما هو بما ذكرناه لا بتعدّد الوضع
[1] هكذا في الأصل والصحيح : الأقسام . [2] في الأصل : مصداقيها .