ثمّ اعلم أنّه قد جعل بعضهم جميع الواجبات معلّقة لا مشروطة ولا مطلقة [1] بتقريب أنّ ما ذكروه من الملازمة بين وجوب ذي المقدمة ووجوبها بناءً على وجوبها الذي هو قاض بتوقّف وجوبها على وجوبه عقلا بحيث لا يعقل أن تجب المقدمة بالوجوب الغيري إلاّ بعد وجوب ذي المقدمة - ولذا أُشكل عليهم الأمر في الواجبات المضيّقة التي لها مقدمات يجب تحصيلها قبل وقته ، واحتاجوا إلى التفصّي عنه إلى وجوه : منها جعلها من باب الواجب المعلّق - جار في الواجبات الموسّعة أيضاً ، وذلك لأنّ أوّل الوقت إمّا أن يكون وقتاً للصلاة مثلا أو لا ، لا سبيل إلى الثاني بداهة أنّه بدخول الجزء الأوّل من الوقت تجب الصلاة ، فلو أراد المكلّف امتثال هذا التكليف فلابدّ من وقوع مقدماته قبل الوقت . والحال أنّه لا تجب المقدمات قبل وجوب ذيها . وحينئذ لابدّ إمّا من القول بأنّ الوجوب تعلّق بالصلاة قبل الوقت ، أو القول بأنّ الوجوب تعلّق أوّل الوقت بالصلاة بعد أن يمضي منه مقدار فعل المقدمة ، أو القول بوجوب الصلاة أوّل الوقت وعدم وجوب مقدماتها . ولا رابع لهذه الوجوه ، والأوّلان عين المطلوب ، والثالث خلاف الفرض ، لأنّ المفروض وجوب مقدمة الواجب وحيث ثبت عقلا أنّ في وجوب كلّ فعل لابدّ وأن يكون ذلك الفعل متأخّراً عن حال وجوبه بمقدار من الزمان الذي يسع المقدمة ، فلازمه تقدّم الوجوب في الموسّع على أوّل الوقت لمن أراد الفعل في أوّل الوقت . وهذا يكشف عن أنّ الطلب في جميع الواجبات سابق على وقت ايجادها ، فإذا كان الطلب سابقاً على وقت الايجاد الذي يمكن أن يكون هو أوّل الوقت فيكون من باب الواجب المعلّق ، وتجب مقدماته قبل زمان ايجاده وعليه ينطبق صحّة الوضوء المأتي به قبل الوقت بنيّة الوجوب للتأهب للفرض ، وهذا القول مع القول بامتناع الواجب المعلّق - كما حكي عن بعض آخر - في طرفي النقيض والافراط والتفريط ، وللتأمّل في كليهما مجال واسع .
[1] نقله عنهم في فوائد الأصول : في الأوامر ص 185 .