يحملون النهي على الكراهة فقال [1] بأنّ الاستحباب والكراهة حكمان شرعيان ، وبمجرد وجود دليل ظاهره الوجوب ودليل ظاهره نفي البأس في تركه يحكمون بثبوت الاستحباب ، وكذا بمجرد وجود دليل ظاهره الحرمة ودليل ظاهره نفي البأس يحكمون بثبوت الكراهة ، والحال أنّهما حكمان شرعيان لا يثبتان إلاّ بدليل وكلا الحكمين حكمان بلا دليل ، إذ على ما ذكرنا الحكم بالاستحباب من جهة تحقّق حدّه وهو البعث إلى الفعل المستفاد من الأمر والرخصة في الترك المستفادة من الدليل الآخر ، وكذا الحكم بالكراهة من جهة تحقّق حدّه وهو الزجر عن الفعل المستفاد عن النهي والرخصة فيه المستفادة من الدليل الآخر . وبهذا يندفع طعنه ، وإن أمكن دفعه بوجه آخر أشار إليه الشيخ ( قدس سره ) وهو : أنّ الحكم بالاستحباب والكراهة في الصورتين المذكورتين من جهة الجمع بين الدليلين برفع اليد عن ظاهر كلّ منهما بنصّ الآخر ، فراجع كلامه ( قدس سره ) [2] . فتحصّل أنّ البعث إلى الشيء إن لم ينضم إليه الترخيص في الترك من الخارج عبارة عن الوجوب لتحقّق حدّ الوجوب وهو البعث إلى الشيء بلا رخصة في تركه ، وإن انضمّ إليه الترخيص في الترك فهو عبارة عن المستحب ، لتحقّق حدّه وهو البعث إلى الشيء مع الرخصة في الترك ، وكذا الكلام بالنسبة إلى الحرمة والكراهة فإنّ الزجر عن الشيء إن لم ينضم إليه الترخيص في الفعل فهو عبارة عن الحرمة وإن انضمّ إليه الترخيص في الفعل فهي الكراهة . فاطلاق البعث والزجر يقتضي الحمل على الوجوب والحرمة ، لأنّ الاستحباب والكراهة محتاجان إلى تقييد وبيان زائد ، فإذا شكّ فيه فالأصل عدمه . ولا فرق بين أن يكون البعث والزجر مستفادين من صيغة الأمر والنهي ، أو من مادتهما ، أو من الجمل الخبرية التي تستعمل في مقام الطلب والزجر ، ففي الجميع لو انضمّ الترخيص في الترك إلى
[1] انظر الحدائق الناضرة : المقدمة السابعة ج 1 ص 112 ، والدرر النجفية : الفائدة الحادية عشر ، ص 60 س 21 . [2] فرائد الأُصول : في الجمع بين المتنافيين ج 2 ص 756 .