والأعراض المتأصّلة كالسواد والبياض وأمثالهما ، فإنّهما موجودان في الخارج ، إلاّ أنّ الجواهر موجودة فيه لا في الموضوع بخلاف الأعراض فإنّها موجودة في الموضوع ، فكذلك المعاني الحرفيّة لا وجود لها في الذهن مستقلة وإنّما هي موجودة فيه بوجود منشأ انتزاعها ، لأنّها من خصوصيات الغير وحالاته ، فالمفهوم من لفظة " في " في : " الماء في الكوز " ليس إلاّ خصوصية في الماء ، وهو كونه مظروفاً للكوز وخصوصية في الكوز وهو كونه ظرفاً للماء وجود تلك الخصوصية ليس إلاّ بوجود الغير الذي له تلك الخصوصية وهي متعلّقاتها . فمفاهيم الحروف لا وجود لها في الذهن إلاّ تبعاً لمفاهيم متعلّقاتها كما لا وجود للفوقيّة في الخارج إلاّ تبعاً لوجود منشأ انتزاعها ، فإذا لم تكن مفاهيمها مستقلّة في الذهن في عالم المفهوميّة فهل يعقل أن تكون تلك المعاني تحت ألفاظ مستقلة في عالم اللفظيّة بأنّ يكون تحت لفظة " في " في المثال المذكور معنى ، كما أنّ تحت لفظ " الماء " معنى وتحت لفظ " الكوز " معنى آخر ، أو لا يعقل أن يكون المعنى الغير المستقل الذي هو من توابع معنى آخر أن يكون تحت لفظ مستقل بحيث يوضع لذلك المعنى ويلقى إلى الخارج بالقاء هذا اللفظ ؟ الحق أنّه لا يعقل ، لأنّ المعنى لابدّ أن يلا حظ أوّلا حتى يوضع له اللفظ وإذا لم يمكن لحاظه مستقلا فكيف يمكن وضع لفظ مستقل بإزائه والقائه به ؟ ! فتأمّل . فعلى هذا ليست تحت الحروف معان في قبال المعاني التي تحت متعلقاتها بحيث تكون الحروف حاكية عنها كما أنّ متعلقاتها كذلك ، وإنّما الحروف تدلّ على الخصوصيّات التي في متعلّقاتها ، وهذا هو المراد بقولهم : الحرف ما دلّ على معنى في غيره أي غير ما دلّ يعني أنّ الحرف يدلّ على خصوصيّة ثابتة لمتعلّقه لا أنّ معنى الحرف في غير لفظه ، وتكون حال الحروف بل الهيئات كالأعاريب ، فكما أنّ الرفع والنصب يدلاّن على فاعليّة ومفعوليّة مدخولهما ولا يكون تحت الرفع والنصب شيء وإنّما هما علامتان للفاعلية والمفعوليّة اللتين هما من خصوصيات مدخوليهما ففي الحروف والهيئات أيضاً الأمر كذلك . فعلى هذا كلّها تكون من