الجمع بينهما عقلا ، أو عدم وجوبه شرعاً ليدور الأمر بين ترجيحه وترجيح طرفه . ولا يكاد يدور الأمر بينهما إلاّ بمقدمات دليل الانسداد ، وإلاّ كان اللازم هو الرجوع إلى العلم أو العلمي ، أو الاحتياط ، أو البراءة ، أو غيرهما على حسب اختلاف الأشخاص أو الأحوال في اختلاف المقدمات . والحاصل : أنّ هذا الدليل ليس دليلا عقليّاً مستقلا على حجّية الظنّ ، وإنّما هي عبارة عن المقدمة الأخيرة من مقدمات دليل الانسداد ، ولا ينتهي الأمر إليها إلاّ بعد اثبات المقدمات السابقة . الثالث : ما عن السيد الطباطبائي ( قدس سره ) من أنّه لا ريب في وجود واجبات ومحرّمات كثيرة بين المشتبهات ، ومقتضى ذلك وجوب الاحتياط بإتيان كلّ ما يحتمل الوجوب ولو موهوماً ، وترك ما يحتمل الحرمة كذلك ولكن مقتضى قاعدة نفي الحرج عدم وجوب ذلك كلّه ، لأنّه عسرٌ أكيد وحرجٌ شديد ، فمقتضى الجمع بين قاعدتي الاحتياط ونفي الحرج العمل بالاحتياط في المظنونات دون المشكوكات والموهومات ، لأنّ الجمع على غير هذا الوجه بإخراج بعض المظنونات وإدخال بعض المشكوكات والموهومات باطل اجماعاً [1] . ولا يخفى ما فيه من القدح والفساد فإنّه بعض مقدمات دليل الانسداد ولا ينتج بدون سائر المقدمات ، ومعه لا يكون دليل آخر ، بل ذاك الدليل . الرابع : دليل الانسداد ، وهو مؤلّف من مقدمات يستقلّ العقل مع تحققها بكفاية الإطاعة الظنيّة حكومة أو كشفاً على ما تعرف ، ولا يكاد يستقلّ بها بدونها ، هذا على ما اختاره في الكفاية [2] . وأما على مختار الشيخ [3] ( قدس سره ) فنتيجة المقدمات هو التبعيض في الاحتياط لا حجيّة الظنّ . وكيف كان فهي خمسة . الأُولى : العلم الإجمالي بثبوت تكاليف كثيرة فعليّة في الشريعة .
[1] كما حكاه صاحب فرائد الأُصول : ج 1 ص 182 . [2] كفاية الأُصول : في حجية الظن ص 356 . [3] فرائد الأُصول : ج 1 ص 183 .