الشرع وقد وقع كما في العبادات المكروهة فإنّ عدم جواز اجتماع الأمر والنهي ليس إلاّ من جهة تضادّ الايجاب والتحريم ، وهو ليس مختصّاً بهما ، بل الأحكام الخمسة كلّها متضادّة ولا يجوز اجتماع الشيئين منها في الشيء الواحد ، والحال أنّه قد وقع ، والوقوع أدلّ دليل على الإمكان ، ومعه لا حاجة إلى إقامة البرهان . والجواب عن هذا الاستدلال إجمالا هو : أنّ ما وقع في الشريعة من هذا القبيل لابدّ من التصرّف والتأويل بعد إقامة البرهان على الامتناع ، ضرورة أنّ الظهور لا يصادم البرهان ، مع أنّ قضيّة ظهور تلك الموارد اجتماع الحكمين فيها بعنوان واحد ، ولا يقول الخصم بجوازه فلابدّ له من التفصّي عن الإشكال ، وكل ما أجاب به عن الإشكال فهو الجواب من طرفنا أيضاً . وأمّا تفصيلا : فقد أُجيب بوجوه لا يخلو عن النقض والإبرام . والتحقيق في الجواب : أنّ العبادات المكروهة على ثلاثة أقسام : أحدها : ما تعلّق به النهي بعنوانه وذاته ولا بدل له كصوم عاشوراء والنوافل المبتدأة في بعض الأوقات . ثانيها : ما تعلّق به النهي كذلك ويكون له البدل كالنهي عن الصلاة في الحمام . ثالثها : ما تعلّق به النهي لا بذاته ، بل بما هو مجامع معه وجوداً أو ملازم له خارجاً كالصلاة في مواضع التهمة ، بناءً على كون النهي عنها لأجل اتّحادها مع الكون في مواضعها . أمّا القسم الأوّل : فالنهي عنها تنزيهاً بعد الإجماع على وقوعها ، ومع ذلك يكون تركها أرجح إمّا لأجل انطباق عنوان على الترك يكون ذلك العنوان راجحاً في حدّ نفسه بحيث يكون مصلحته أكثر من مصلحة فعل العبادة ، كالصوم الذي يطلب المؤمن إفطاره ، فإنّ نفس الصوم في حدّ نفسه راجح وتركه وإفطاره من حيث إنّه إجابة المؤمن أيضاً راجح ، ورجحان الترك أكثر من رجحان الفعل ، فلذا يكون الفعل والترك من قبيل المستحبين المتزاحمين اللذين يكون أحدهما أهمّ من الآخر ، وإن كان الآخر يقع صحيحاً لو اختاره لموافقته للغرض كما في سائر