بل لما ذكرنا من أنّ الاستحباب يحتاج إلى مؤنة زائدة وبيان زائد وهو الترخيص في الترك ، وعدم بيانه يكفي في بيان الوجوب ، فلا يحتاج الوجوب إلى قيد زائد على أصل البعث المستفاد من الصيغة كما ذكره في الكفاية بقوله : فإنّ المندوب كأنّه محتاج إلى مؤنة بيان التحديد والتقييد بعدم المنع من الترك ، بخلاف الوجوب فإنّه لا تحديد فيه للطلب ولا تقييد [1] . وإن كان في عبارته ( قدس سره ) ما لا يخفى : أوّلا : أنّ عدم المنع من الترك ليس قيداً ، إذ هو أمر عدمي ولو كان هو قيد للاستحباب ، فالمنع من الترك الذي هو امر وجودي أولى بأن يكون قيداً للوجوب فيلزم أن يكون مؤنة الوجوب أشدّ من مؤنة الاستحباب . وثانياً : أنّ قيد الاستحباب هو الترخيص في الترك كما عرفت لا عدم المنع عن الترك . المبحث الخامس : في أنّ اطلاق البعث والطلب سواء كان الطلب إلزامياً أو ندبياً يقتضي كون المطلوب توصلياً فيجزي إتيانه ولو بدون قصد القربة أو لا ؟ فلابدّ من الرجوع فيما شكّ في تعبديّته وتوصليّته إلى الأصل ، ولابدّ في تحقيق ذلك من تمهيد مقدمات : الأُولى : إنّ المراد بالتوصلي ما يسقط طلبه بإتيانه ولو بدون قصد القربة ، لأنّ المطلوب هو نفس ايجاده في الخارج بلا دخل لشيء آخر فيه ، وبالتعبدي ما لا يسقط طلبه إلاّ بإتيانه بداعي القربة . الثانية : أنّه لا يمكن الفرق بين المطلوب التوصلي والتعبدي في أنّ طلب الأوّل يسقط بمجرد ايجاد متعلّقه في الخارج ولو بدون قصد القربة وطلب الثاني لا يسقط إلاّ بإتيان متعلقه إلاّ بقصد القربة إلاّ بأن تكون خصوصيّة معتبرة في الثاني دون الأوّل ، وإلاّ لم يعقل الفرق . فتلك الخصوصيّة لابدّ إمّا أن تكون من جهة اعتبار قصد القربة في متعلق الطلب فيه ، أو من جهة آخر .