الأمرين ، فأي مانع من القول بكون لفظ " الأمر " موضوعا بإزاء الصيغة التي يراد منها الوجوب ؟ وإن كان إرادة ذلك منها على سبيل المجاز أو الاشتراك أو من قبيل إطلاق الكلي على الفرد بوضعها للأعم من الوجوب . ومنها : أنه لو سلم دلالتها على حال الصيغة فإنما تفيد وضع الصيغة التي يكون مصداقا للأمر بإزاء الوجوب ، أعني الصيغة الصادرة من العالي أو المستعلي أو هما معا ، دون مطلق صيغة إفعل ، كما هو ظاهر عنوان البحث لتكون نفس الصيغة موضوعة لخصوص الأمر أو للدلالة على الوجوب حسب ما مر الكلام فيه . ومنها : المنع من إفادة الآية للتهديد ، فإنها مبنية على كون الأمر للوجوب ومع التمسك به يدور الاحتجاج ، وقد أشار اليه المصنف ( رحمه الله ) . ومنها : المنع من كون مطلق التهديد على الترك دليلا على الوجوب وإنما يكون دليلا عليه إذا وقع التهديد بعذاب يترتب على ترك المأمور به على سبيل التعيين ، دون الاحتمال وهو غير حاصل في المقام ، لدورانه بين الفتنة والعذاب ، ولا مانع من ترتب الفتنة على ترك بعض المندوبات ، فغاية ما يفيده التهديد المذكور مرجوحية المخالفة لما فيه من احتمال ترتب الفتنة الحاصل بمخالفة الأمر الندبي أو العذاب الحاصل بمخالفة الأمر الوجوبي ، فلا ينافي القول باشتراك الأمر بين الوجوب والندب لفظيا أو معنويا ، بل وغيرهما أيضا لقيام احتمال الوجوب القاضي باحتمال ترتب العذاب على الترك ، فيصح الكلام المذكور وإن لم يستعمل شئ من الأوامر في الوجوب . ومنها : أنه إنما وقع التهديد في مخالفة الأوامر بإصابة الفتنة أو العذاب الأليم فيحتمل أن يكون ذلك على سبيل التقسيم ، بأن يراد به أن المخالفين لأوامره تعالى بعضهم يصيبه الفتنة وبعضهم يصيبه العذاب ، وكأن المراد بالفتنة الآفات والمصائب الدنيوية ، لظاهر مقابلته بالعذاب فلا يفيد كون أوامره مطلقا للوجوب ، بل قضية ذلك جواز انقسام الأوامر إلى قسمين على حسب الغاية المترتبة على مخالفتها ، فأقصى ما يفيده إرادة الوجوب من بعض الأوامر ، وهو ما هدد عليه بالعذاب