كون الوضع فيها تعيينيا ، كما هو ظاهر مذهبهم . ولو قيل إنها اللفظ المستعمل في المعاني الشرعية الموضوع لها في عهد صاحب الشريعة كان شاملا للوجهين . هذا ، واعلم أن المحكي عن المعتزلة تقسيم الموضوعات الشرعية على وجوه أربعة : وذلك بأنها إما أن يعرف أهل اللغة لفظها ومعناها ، أو لا يعرفون شيئا منهما ، أو يعرفون اللفظ دون المعنى ، أو بالعكس . وخصوا الثلاثة الأخيرة بالدينية فهي أخص مطلقا من الشرعية [1] . وربما يخص الشرعية بالأول ، وهو إطلاق آخر لها في مقابلة الدينية . وأنت خبير بأنه لا وجود لقسمين من الأقسام الثلاثة الأخيرة ، إذ ليس في الألفاظ الشرعية لفظ مخترع لا يعرفه أهل اللغة كما اعترف به جماعة ، فلا يوجد من أقسام الدينية إلا الثاني . ثم من الظاهر أن جل المعاني الشرعية أو كلها أمور مستحدثة من صاحب الشريعة لا يعرفها أهل اللغة ، فلا يكاد يتحقق مصداق للحقيقة الشرعية غير ما فرض حقيقة دينية ، فيتحد مصداقا الحقيقتين في الخارج ، وحينئذ فلا يتجه جعل النزاع في الحقيقة الدينية مغايرا للنزاع في الشرعية كما وقع في المختصر وغيره حيث أسند القول بثبوت الدينية إلى المعتزلة بعد اختياره القول بثبوت الشرعية . وقد يوجه ذلك بأن كثيرا من تلك المعاني أمور معروفة قبل هذه الشريعة ثابتة في الشرائع السابقة ، وهي معلومة عند العرب ، وربما يعبرون عن كثير منها بالألفاظ الشرعية أيضا ، إلا أنه حصل هناك اختلاف في مصاديق تلك المفاهيم بحسب اختلاف الشرائع كاختلاف مصاديق كثير منها في هذه الشريعة بحسب اختلاف الأحوال ، والمفهوم العام متحد في الكل ، فما لا يكون معروفا أصلا يكون مندرجا في الدينية .