حجة القول بوضعها للماهيات - مع قطع النظر عن وجودها في الذهن أو الخارج - أنها المنساقة من تلك الألفاظ ، ولذا لا تدل الألفاظ الموضوعة لمعانيها على وجود تلك المعاني ويصح الحكم على معانيها بالوجود والعدم . وفيه : أنه إن أريد بالماهية المفهوم من حيث كونه عنوانا لمصداقه بحسب الواقع فهو راجع إلى ما قلناه ، وإن أريد بها الماهية من حيث هي بحيث يعم الصورة الحاصلة منها في الذهن أو الموجود في الخارج فالتبادر المدعى ممنوع ، بل من البين خلافه ، إذ لا يتبادر من الألفاظ إلا المفاهيم على النحو الذي قررناه . والوجه في القول الرابع ما ذكر في القول بوضعها للماهيات إلا أن ذلك الوجه إنما يجري بالنسبة إلى الكليات ، وأما الأمور الشخصية فلا يصح القول بوضعها للماهية ، ضرورة عدم كون أسامي الأشخاص كزيد وعمرو موضوعة بإزاء نفس ماهية الانسان من حيث هي ، وليس هناك مع قطع النظر عن الوجودين ماهية غير ماهية الانسان ليتحصل بانضمامها ماهية الشخص ، بل ليس في هوية الشخص إلا الماهية الكلية بعد انتزاع العقل إياها عن الوجود ، فهي إنما تكون شخصا بانضمام الوجود إليها من غير حاجة إلى انضمام أمر آخر من العوارض الخارجية ، أو أمر نسبته إلى الماهية نسبة الفصل إلى الجنس ، فهي إذا انضم إليها الوجود الخارجي كانت شخصيا خارجيا وإذا انضم إليها الوجود الذهني كانت شخصيا ذهنيا ، فالوجود هو الأمر الذي نسبته إلى الماهية النوعية نسبة الفصل إلى الجنس لتحصل الشخص من جهته ، فصيرورتها شخصا إنما هي باعتبار انضمام أحد الوجودين إليها ومن البين أيضا استحالة حصول كل من الوجودين في طرف الآخر ، فيستحيل أيضا حصول كل من الشخصين كذلك ، فالشخص الخارجي لا يكون إلا في الخارج كما أن الذهني لا يكون إلا في الذهن . فإذا تقرر ذلك تبين أنه ليس الموضوع له في الجزئيات الخارجية سوى الماهية المنضمة إلى الوجود الخارجي ، وفي الجزئيات الذهنية سوى المنضمة إلى الوجود الذهني ، وقد عرفت أن الألفاظ الموضوعة للكليات إنما وضعت