المذكور على وضع الألفاظ للحقائق الذهنية أصلا . ومع الغض عن ذلك كله فغاية ما يلزم من الدليل المذكور على فرض صحته عدم وضعها للأمور الخارجية ، وبمجرد ذلك لا يتعين القول بوضعها للأمور الذهنية ، لاحتمال كونها موضوعة بإزاء المفاهيم من حيث هي مع قطع النظر عن وجودها في الذهن أو في الخارج . ثالثها : أنها لو كانت موضوعة بإزاء الأمور الخارجية لزم امتناع الكذب في الإخبار ، إذ ليس ما وضع له اللفظ حينئذ إلا الأمر الموجود في الخارج ، فإذا كان اللفظ مستعملا في معناه كان ذلك موجودا في الخارج ، إذ ليس مدلول اللفظ إلا عين ما في الخارج ، ومن ذلك يعلم امتناع صدق الخبر أيضا ، فإن الصدق والكذب مطابقة مدلول الخبر لما هو الواقع وعدمها ، فإذا فرض كون الكلام موضوعا بإزاء الأمور الخارجية كان مدلوله عين ما هو الواقع ولا معنى لمطابقة الشئ لنفسه وعدمها . وأجيب عنه تارة بأن الدلالة الوضعية ليست كالدلالة العقلية حتى لا يمكن تخلفها عن المدلول ، بل إنما توجب إحضار مدلوله بالبال سواء طابق الواقع أو خالفه ، فيلحظ المطابقة وعدمها بالنسبة إلى المعنى الحاضر في الذهن بواسطة الدلالة المذكورة . وأخرى بأن المراد من وضعها للأمور الخارجية هو وضعها للموجودات الخارجية بزعم المتكلم واعتقاده ، لا الأمور الخارجية المطابقة لنفس الأمر ، فحينئذ يكون مع مطابقته للواقع صدقا ومع عدمه كذبا . وثالثة بالمعارضة بأنه لو كان الكلام موضوعا للنسبة الذهنية لكان مدلول الكلام هو تلك النسبة ، فيكون الواقع بالنسبة اليه هو ذلك ، وحينئذ فيكون صدقه وكذبه بملاحظة تحقق تلك النسبة في الذهن وعدمه لا بملاحظة حصول النسبة الخارجية وعدمه ، فيكون المناط في الصدق والكذب باعتبار المطابقة للاعتقاد وعدمها ، وهو إنما يوافق مذهب النظام دون المشهور .