ملاحظة المعاني العرفية وتتبع موارد استعمالها في كلمات الأوائل وملاحظة كتب اللغة لبيانهم غالبا للمعاني العرفية العامة ، ويكشف عن ذلك حكم الأكثر ممن عرف آراؤهم بتقديم العرف ، إذ ليس ذلك إلا من الجهة المذكورة الباعثة على الظن بالمراد ، وقد حكى بعضهم عليه الشهرة ، بل ربما يعزى القول به إلى جميع الأصوليين ، وهو في الحقيقة حجة أخرى على ذلك لبعثه على المظنة الكافية في المقام . وربما يستدل على ذلك أيضا باستبعاد استقرار العرف العام في المدة القليلة من بعد زمن النبي ( صلى الله عليه وآله ) . وبأنه لا مجال للتأمل في حمل اللفظ على معناه الثابت في العرف العام إذا لم يعرف له معنى آخر بحسب اللغة مع قيام احتمال وجوده ، وهو مبني على تقديم العرف ، إذ لولا ذلك لوجب الوقف فيه والحكم بإجمال اللفظ لاحتمال وجود معنى آخر له في اللغة واستمراره إلى وقت صدور الرواية ، وهو باطل بالاتفاق . وأنت خبير بوهن الوجهين ، إذ لا بعد في استقرار العرف العام في المدة المذكورة بل وفيما دونها أيضا ، ولو سلم فليضم إليه زمن النبي ( صلى الله عليه وآله ) وما قبله ليحكم باستقرار العرف بملاحظة الجميع ، فلا عرف إذن في زمانه ( صلى الله عليه وآله ) بل وكذا في أزمنتهم ، إذ المفروض في الاحتمال المذكور حصول النقل بملاحظة الكل . والوجه في الحمل على المعنى العرفي في الصورة المفروضة من جهة استظهار اتحاد العرف واللغة ، نظرا إلى أصالة عدم النقل ، ولذا تداول بينهم إثبات اللغات بمجرد ثبوت المعنى في العرف على ما هو شأن نقلة اللغات وطريقة علماء الأصول في إثبات مداليل الأمر والنهي وألفاظ العموم وغيرها . حجة القول بتقديم اللغة أصالة تأخر الحادث ، إذ المفروض عدم ثبوت مبدأ النقل . ويضعفه أن الأصل المذكور لا معول عليه في المقام إلا بعد إفادته الظن بمؤداه ، لما عرفت من ابتناء اللغات على المظنة وحصول الاستفادة من العبارة ،