وكيف كان ، فلنفصل الكلام ببيان ما أوردوه في المقام ، ثم نتبعه بما تحقق عندنا في هذا المرام . فنقول : قد ذكروا أن موضوع كل علم هو ما يبحث فيه عن عوارضه الذاتية ، والمراد بالعوارض المحمولات الخارجة عن حقيقة ما حملت عليه ، وقد فسروا العوارض الذاتية بما يعرض الشئ لذاته أو لجزئه أو للخارج المساوي دون غيرها من العوارض ، وفصلوا ذلك بأن العوارض على خمسة أقسام : الأول : ما يعرض الشئ لذاته ، كإدراك الكليات العارض للناطق ، وقد يمثل له بالتعجب اللاحق للإنسان ، وفيه تأمل [1] . الثاني : ما يعرض الشئ لجزئه ، سواء كان مساويا له كإدراك الكليات العارض للإنسان بتوسط الناطق ، أو أعم منه كالتحرك بالإرادة اللاحق له بواسطة الحيوان . الثالث : ما يعرض الشئ لأمر خارج مساو له كالسطح العارض للجسم باعتبار التناهي وكالضحك اللاحق للإنسان بواسطة التعجب ، ولا فرق بين أن يكون ذلك الخارج المساوي لاحقا له لذاته أو لجزئه المساوي أو لخارج مساو آخر . الرابع : ما يعرض الشئ لأمر خارج أعم كالتحرك بالإرادة العارض للناطق بتوسط الحيوان . الخامس : ما يعرضه لأمر خارج أخص كإدراك الكليات العارض للحيوان بتوسط الناطق . وجعلوا الثلاثة الأول عوارض ذاتية ، وعللوا ذلك بأن العروض فيها مستند إلى الذات ، أما في الأول فظاهر . وأما في الثاني فلاستناده إلى الجزء ، وهو من مقومات الذات . وأما في الثالث فلأن العارض المساوي مستند إلى الذات ،
[1] لأن التعجب يلحق للإدراك ، والإدراك يلحق للإنسان ، وهما متساويان ، فالإدراك واسطة بينهما ( منه ( رحمه الله ) ) .