الكلام جامعا للمحسنات على مقتضى الحال ، ومن البين تقدم الغاية الأولى على الأخيرة . وأما الثاني فإنما يكون مع اشتمال أحد العلمين على مبادئ الآخر ، فيتوقف التصديق بمسائله عليه ، وذلك قد يكون من جهة اشتمال أحدهما على إثبات الموضوع للآخر كما في تقدم العلم الإلهي على الطبيعي والرياضي ، وقد يكون لاشتماله على إثبات مواد المقدمات المأخوذة في أقيسة العلم الآخر كما في تقدم الأصول على الفقه ، وقد يكون من جهة تكفله لبيان كيفية النظر والاستدلال وإثبات انتاج صور الأقيسة المأخوذة في العلوم كما في المنطق بالنسبة إلى ما عداها من العلوم . هذا ، ولا يذهب عليك أن التقدم في التعليم من الجهات الأخيرة وإن كان لازما ، لتوقف التصديق لمسائل العلم الآخر عليه ، إلا أنه قد يكون هناك جهة أخرى تمنع من التقديم وحينئذ فإما أن يبين ما يتوقف عليه ذلك العلم من مطالب العلم الآخر في مقدماته ، أو يؤخذ فيه على سبيل التسليم أو حسن الظن بالأستاذ إلى أن يتبين في العلم المتأخر ، وقد يعبر عنه بالأصول الموضوعة . ثم إنه لما كان بيان مرتبة العلم من المطالب التي تذكر في المقدمة أراد المصنف ( رحمه الله ) بذلك الإشارة إلى بيانه ، وأشار بعد ذلك إلى مبادئه من سائر العلوم . قوله : * ( ومرتبة هذا العلم متأخرة عن غيره بالاعتبار الثالث ) * . وعن بعض النسخ " بالاعتبارات الثلاثة " وهو لا يناسب التعليل ، إذ هو إنما يفيد تأخره بالوجه الأخير ، ومع ذلك فالوجه في تأخره بالوجوه الثلاثة عن جميع العلوم المذكورة غير ظاهر ، بل الظاهر خلافه . وقد يوجه ذلك بجعل الاعتبارات الثلاثة وجها في تأخره عن مجموع العلوم المذكورة وإن لم يجر الكل في كل منها . وقد يتعسف في إجراء الجميع في الجميع ببعض التوجيهات البعيدة ولا داعي إليه . قوله : * ( فهذه هي العلوم التي يجب تقدم معرفتها . . . الخ ) * أشار بذلك إلى كون العلوم المذكورة مبادئ للفقه كما نص عليه جماعة منهم .