قلت : المنظور بالبحث في مسألة التداخل اجتماع المطلوبين في مصداق واحد والاجتزاء به عنهما ، وهو فرع اجتماع نفس الطبيعتين وتصادقهما ، إذ مع مباينتهما لا مجال لاحتمال الاجتماع ، ومع احتمالها لا مجال للحكم به ليحكم بفراغ الذمة عن التكليفين بأدائه . وما ذكر من أن الحكم بالاجتماع هو مفاد التداخل ، فلا مجال إذن لإنكاره موهون جدا ، لوضوح الفرق بين اجتماع المطلوبين في فعل واحد ليقوم في حصول الامتثال مقام الفعلين وحصول الطبيعتين في مصداق واحد ، والمنكر للتداخل لا يمنع من الثاني وانما يقول بمنع الأول لدعوى فهمه تقييد الطبيعة المطلوبة بكل من الأمرين بغير ما يؤدى به الآخر ، كما في قوله : " جئني بهاشمي وجئني بعالم " فإنه مع البناء على عدم التداخل لو أتى بهاشمي عالم لم يجزه عنهما مع حصول الطبيعتين به قطعا ، فمجرد اجتماع الطبيعتين لا يقضي بحصول المطلوبين ، لاقتضاء كل من الأمرين أداء الطبيعة المطلوبة مستقلا مغايرا لما يؤدى به الآخر ، فيجري مصداق الاجتماع عن أحد الأمرين دون كليهما . فإن قلت : لو كان مجرد احتمال التباين وعدم اجتماع الطبيعتين قاضيا بعدم الحكم بالتداخل لم يثمر المسألة في كثير من المقامات ، لقيام الاحتمال المذكور كما في الأغسال ونحوها . قلت : إن مجرد قيام الاحتمال المذكور غير مانع من التداخل مع قضاء الإطلاق بحصول الطبيعتين في مصداق واحد ، كما إذا قال : " اغتسل للجنابة واغتسل للجمعة " فإنه إذا أتى بغسل واحد للأمرين فقد صدق معه حصول الغسل للجنابة والجمعة ، ولا يمنع منه احتمال المباينة بين الغسلين وعدم اجتماعهما في مصداق ، فإنه مدفوع بظاهر الإطلاق ، فتأمل . الثامن أنه إذا تعلق أمران بالمكلف وكان المطلوب بهما متحدا في الصورة فهل يتوقف أداء المأمور به على تعيين كل من الفعلين بالنية على وجه ينصرف ما يأتي