فمحصل الاستدلال أنه لو كانت تلك الألفاظ موضوعة للأعم لكان الرجوع إلى عرف المتشرعة كافيا في معرفة تفاصيل معاني العبادات المقررة في الشريعة ، مع أنه ليس كذلك بل لا يعرف تلك التفاصيل إلا بالرجوع إلى الأدلة التفصيلية المقررة في الكتب الاستدلالية . والمراد من كونها توقيفية هو هذا المعنى ، وهو الفارق بين ألفاظ العبادات وغيرها حيث جعلوا الأولى توقيفية والثانية محولة إلى العرف ، كيف ! ولو كان الأمران مما يحال إلى العرف لم يكن هناك فرق بينهما . وكون إحديهما محالة إلى العرف العام والأخرى إلى عرف المتشرعة الذي هو بمنزلة العرف العام بعد انتشار الاسلام لا يصلح فارقا في المقام ، وسياق كلامهم يأبى عنه غاية الإباء ، كما لا يخفى على المتأمل فيما قررنا . حجة القائلين بكونها للأعم وجوه : أحدها : قضاء أمارات الحقيقة به ، وهو من وجوه : منها : التبادر فإن المنساق في العرف من نفس تلك الألفاظ مع قطع النظر عن الأمور الخارجية هو ما يعم القسمين ، ولا دلالة فيها على خصوصية أحد الوجهين ، ولذا يصح الإخبار بأن فلانا يصلي وإن لم يعلم صحة فعله ، بل وإن علم فساده ، ولولا تبادر الأعم لكان ذلك كذبا . ومنها : عدم صحة سلبها عن الفاسدة ، ولذا لا يصح الإخبار عمن كان وضوؤه وغسله فاسدا أو عباداته فاسدة : إنه لا يتوضأ ولا يغتسل من الجنابة ولا يصلي ولا يصوم ، ولو أخبر كذلك من دون قيام قرينة على إرادة خلاف الظاهر عد كذبا ، بخلاف ما لو قيد بالصحيحة . والحاصل : أن الفرق بين نفي المطلق ونفي المقيد في العرف - كما هو معلوم من ملاحظته - دليل على عدم صحة سلب المطلق عن الفاسدة عندهم . ومنها : صحة تقسيمها إلى الصحيحة والفاسدة ، وهو ظاهر في كونها حقيقة في المقسم .