يكون علمه تعالى بفعل العبد موجبا للجبر، مثلا علم زيد بمسافرة عمرو باختياره في الغد لا يوجب اضطرار عمرو إلى المسافرة، و كذا الحال في الإعلام، لوضوح أنّ الإخبار بفعل الغير الصادر عن فاعله بإرادته و اختياره لا يرفع الاختيار حتى يلزم الجبر. و إن كان بمعنى الحكم و الأمر، فلأنّه إن أريد بهما الأمر و النهي المصطلحان، فلا يستلزمان الجبر أيضا، و إلاّ لم يقدر الكفار و الفساق على المخالفة. و إن أريد بهما غير الأمر و النهي المصطلحين، فإن كان المراد به الحتم فسيأتي الكلام فيه، و إن كان غيره فلا بد من بيانه و النّظر فيه. و أمّا الحتم و الخلق و الفعل و غيرها مما هو ظاهر في الجبر، فالجواب العام عنها هو: أنّها محفوفة بالقرينة الصارفة لها عن ظاهرها، و هي حكم العقل بعدم اضطرار العباد إلى أفعالهم و تروكهم. و هذا الحكم العقلي كالقرينة المتصلة اللفظية المانعة عن انعقاد ظهورها فيما يوجب الإلجاء و الاضطرار من لفظ القضاء. (المقام الثاني) في روايات العنوان الثاني و هي المشية، و المراد بها عند أهل اللغة و الفلسفة هي الإرادة، و قد يفرق بينهما: بأنّ معناها التقدير إن أسندت إلى اللَّه تعالى، و الإرادة إن أسندت إلى العبد، و على كل حال، فقد اتفق المسلمون بل أكثر الملّيين على أنّها من صفات اللَّه تعالى شأنه و إن اختلفوا في كونها من الصفات الذاتيّة كالعلم و القدرة، أو من الصفات الفعلية كالخلق و الرزق و الإحياء و الإماتة و التكلم، فذهبت الفلاسفة إلى أنّها من الصفات الذاتيّة، لكن الحق