لإيجاد الربط الابتدائي بين السير و البصرة في مثل قولك: «سر من البصرة إلى الكوفة» و كلمة «على» لإيجاد النسبة الاستعلائية بين زيد و السطح، في مثل «زيد على السطح»، و هيئة «زيد قائم» لإيجاد النسبة القيامية بين زيد و قائم، و مثلها سائر الحروف و الهيئات. و بالجملة: فلا تقرر للمعنى الحرفي في الذهن حتى يتصور، بل تقرره و تحصله موطن الاستعمال، فالحروف آلات لإيجاد معانيها لا كواشف عن مداليلها. (الثاني): أنّ المعاني الحرفية لا استقلال لها في هوية ذاتها، بل هي قائمة بغيرها، بداهة أنّ النسب و الارتباطات التي تحكيها الحروف و الهيئات لا تقوم بذاتها، لكونها قائمة بالطرفين، و إلى هذا ينظر قولهم «الحرف ما دل على معنى في غيره»، فإنّ معنى كلمة «من» هي الابتدائية التي تقوم بما يليها من البصرة و نحوها. (الثالث): أنّ تلك المعاني الإيجادية لا موطن لها إلاّ وعاء الاستعمال، و لا تقرر لها في شيء، من أوعية الواقع و الاعتبار و الذهن، فليس الموضوع له في الحروف مفاهيم النسب و الارتباطات، بل مصاديقها الموجودة في موطن الاستعمال في مقابل القول بالإخطارية المنوطة باللحاظ و التصور و تعدد وعاء التحصل و التقرر، فإنّ لازم الإيجادية هو وحدة عالم التقرر و التحصل، فوجود المعنى الحرفي حدوثاً و بقاء يدور مدار الاستعمال. (الرابع): أنّ المعاني الحرفية مغفول عنها و غير ملتفت إليها حال إيجادها، كالألفاظ التي يراد بها معانيها، فإنّ النّظر إلى الألفاظ حينئذٍ آليّ كالنظر إلى المرآة ان كان الغرض معرفة حال المرئي، فإنّ المعنى الحرفي بناءً على كونه إيجادياً لا يمكن