واما المورد الثاني : فهل يتبع في الأصل مسألة التعيين والتخيير ، أو انه مجرى البراءة ولو كانت تلك المسألة مجرى الاحتياط ؟ أو يجرى فيه الاحتياط ولو كانت تلك المسألة مجرى البراءة ؟ . احتمالات ثلاثة . وتحقيق الكلام يقتضي بيان الفرق الموضوعي بين المسألتين ليتضح مقدار ارتباط إحداهما بالأخرى وعدم ارتباطهما . فنقول : ان عمدة ما قيل في حقيقة الوجوب التخييري وجوه ثلاثة : الأول : أن يكون وجوب كل من الفعلين مشروطا بعدم الاتيان بالاخر ، بحيث يكشف الاتيان بأحدهما عن عدم وجوب الاخر واقعا ومن أول الامر . الثاني أن يكون متعلق الوجوب عنوان : ( أحدهما ) ، وهو جامع انتزاعي ينطبق على كل من الفعلين . الثالث : أن يكون كل منهما متعلقا لوجوب خاص ومرتبة خاصة من الإرادة وسط بين الوجوب التعييني الذي لا يجوز ترك متعلقه ولو إلى بدل ، والاستحباب الذي يجوز ترك متعلقه مطلقا ولولا إلى بدل . تقتضي هذه المرتبة عدم جواز الترك إلا إلى بدل ، فهو يختلف عن الوجوب التعييني سنخا وهكذا عن الاستحباب . وهذا اختيار صاحب الكفاية [1] . الذي أورد عليه : بأنه خروج عن محل الكلام في الوجوب التخييري [2] ، إذ المقصود تعيين ذلك السنخ وتلك المرتبة ، وقد بينا في محله عدم تمامية الايراد . وسيأتي انشاء الله تعالى في محله . ولا يخفى ان ما نحن فيه يختلف موضوعا عن الوجوب التخييري بكل معانيه المتصورة الثلاثة ، إذ ليس متعلق الوجوب فيه هو عنوان أحدهما والجامع .
[1] الخراساني المحقق الشيخ محمد كاظم . كفاية الأصول / 141 - طبعة مؤسسة آل البيت ( ع ) . [2] الأصفهاني المحقق الشيخ محمد حسين . نهاية الدراية 1 / 254 - الطبعة الأولى