صارف عن معانيها اللَّغوية الَّتي هي الدّعاء و النّماء و القصد فالواجب حملها على المعاني الشّرعيّة الَّتي هي الأركان المخصوصة و القدر المخرج من المال و المناسك المعروفة فلا يبقى الألفاظ المذكورة مجملة محتملة لهذه المعاني و غيرها من المجازات اللَّغوية و إن اشتركت في المجازيّة على القول بنفي الحقيقة الشرعيّة و الوجه فيه ظاهر لأنّ استعمال الشّارع هذه الألفاظ في هذه المعاني بلغ في الكثرة حدّا ذهب معه الأكثرون إلى صيرورتها حقائق فيها و أنّ المتعيّن حملها عليها مع التّجرد عن القرينة مطلقا و من المعلوم أنّ غيرها من المجازات ليس بتلك المثابة و لا توهّم فيه أحد ذلك التوهّم بل لم يثبت وروده في خطابات الشّرع فضلا عن مقاومته بالمجاز الشّائع المعروف و قيل و هل يتعيّن الحمل على المعنى اللَّغوي مع تعذّر الشّرعي على القول بالحقيقة الشرعيّة الظاهر أنّه لا يتعيّن لعدم الحصر و انتفاء ما يقتضي التّرجيح فإنّ استعمال الشّارع هذه الألفاظ في المعاني اللَّغوية إن ثبت ففي غاية النّدرة و الشّذوذ كما لا يخفى على المتتبّع و منها استعمال اللَّفظ في المعنى العرفي إذا قلنا بتقديم اللَّغة و تعذّر الحمل عليها فإنّ المعنى العرفي و إن كان مجازا على هذا القول إلا أنّ اشتهاره و كثرة استعماله يقدم على غيره كالمعنى الشّرعي على مذهب النّافي للحقيقة الشرعيّة و هل يترجّح الحمل على اللَّغوي إن قلنا بتقديم العرفي مع تعذّر الحمل عليه الظاهر العدم هنا أيضا لندرة استعمال الحقائق المهجورة في الكلام و قد يقال بتعيين المرجوح من الحقيقتين مطلقا مع تعذّر الرّاجح منهما فإن رجّحنا اللَّغويّة و تعذّر الحمل عليها تعيّن الحمل على الشرعيّة أو العرفيّة و إلَّا تعيّن الحمل على اللَّغوية لأنّ الخلاف في ترجيح أحد المعنيين يقتضي تقابل المعنيين و تكافؤهما في الجملة فمع تعذّر أحدهما يتعيّن الحمل على الآخر و لاتّفاق الفريقين على أنّ اللَّفظ المجرّد عن القرينة يجب حمله على أحد المعنيين فيمتنع الحمل على غيرها و ربّما يفرق بين تعذّر الحقيقة الشّرعيّة و العرفيّة العامّة في اقتضاء الحمل على اللَّغوية بأنّ هجر اللَّغة في الأوّل من المتكلم بالقصد و الشعور فاستعماله اللَّفظ في المعنى اللَّغوي نقض لغرضه بخلاف الثانية < فهرس الموضوعات > القول فيما يفرق به بين الحقيقة و المجاز و ما يثبت به الأمور اللَّغويّة < / فهرس الموضوعات > القول فيما يفرق به بين الحقيقة و المجاز و ما يثبت به الأمور اللَّغويّة < فهرس الموضوعات > مفتاح < / فهرس الموضوعات > مفتاح يثبت الحقيقة و المجاز و سائر المطالب اللَّغويّة التّوقيفيّة بتنصيص الواضع على ذلك و هو من أقوى الأدلَّة عليه و ذلك قد يسمع منه و لا إشكال و لا شبهة في اعتباره و إن كان الواضع ممّن لم يثبت عدالته و لكن هذا قليل بالنّسبة إلى غير الأعلام الشخصيّة و قد ينقل عنه و هو على قسمين أحدهما ما يحصل منه العلم و هو الَّذي يبلغ حدّ التواتر أو ينضمّ إليه قرائن بحيث يحصل بانضمام الخبر و لا إشكال و لا شبهة في اعتبار هذا القسم بعد وقوعه و هل هو واقع أو لا ذهب بعض إلى عدم وقوع التواتر لوجوه الأوّل أن اللَّغة قد أخذت من جمع قليل كالخليل و ابن العلاء و الأصمعي و ابن أبي عمرو الشيباني و أمثالهم و هؤلاء لم يبلغوا حد التواتر فلم يحصل من خبرهم العلم خصوصا مع عدم عصمتهم و ظهور أنهم لم يسمعوا اللَّغة من الواضع بل اقتبسوها من التتبع في أشعار العرب و كلماتهم فإنّ في ذلك مظنة الخطاء و فيه نظر للمنع من حصر اللَّغة في جماعة قليلة لا يتحقّق بهم التّواتر عادة و لو سلَّم فإنّما هو بالنّسبة إلى اللَّغة العربيّة كما هو مقتضى هذا الدّليل لا مطلقا الثّاني من اشتراط التّواتر استواء الطَّرفين و الواسطة و ذلك غير معلوم الثّبوت في جميع الأزمنة و إن علمنا به في زماننا و ما قاربه بل يمكن دعوى عدمه لبعد سماع جماعة يبلغون حدّ التّواتر من الواضع لا يقال أخبرنا من شاهدناه مع بلوغهم حدّ التواتر أنّ من أخبرهم كذلك و هكذا لأنا نقول هذا ممنوع بل غاية نقلهم الأستاذ إلى أستاذ أو كتاب صحيح و لا يقال إذا تحقّق التواتر في طبقتنا فيحصل القطع بالتواتر في السّابق علينا لأنّه لو كان مخالفا لما في طبقتنا لنقل نقلا متواترا و التالي باطل فالمقدّم مثله أمّا الملازمة فلقضاء العادة بها و أمّا بطلان التالي فواضح لأنّا نقول نمنع من إفادة ذلك العلم نعم يفيد الظن و هو غير محلّ البحث و في هذه الحجّة نظر لأنّ المراد بالتواتر هنا الأعمّ من المفيد للقطع باعتبار التّسامع و التّضافر كما في العلم بالوقائع الكثيرة و البلدان العظيمة و هذا لا يشترط فيه ملاحظة استواء الطَّبقات و يعنعن النّقل و هو كثير الوقوع جدّا فتأمل الثالث أنّ التواتر لم يتحقّق في الألفاظ المتداولة بيننا المشتهرة المحتاج إليها لوقوع الخلاف فيها المانع من التواتر فإنّهم اختلفوا في لفظة الجلالة فعن قوم أنّها سريانية و عن آخرين أنّها عربيّة و عن قوم أنّها مشتقّة و عن آخرين أنّها غير مشتقّة و كذا اختلفوا في ألفاظ الإيمان و الكفر و الزكاة و الصّلاة و كذا اختلفوا في صيغتي الأمر و النّهي و صيغ العموم و بالجملة الألفاظ المتداولة الَّتي اختلفوا فيها كثيرة فإذا لم يتحقّق التواتر فيها فغيرها أولى لا يقال يكفي دعوى التواتر في العلم بالمعنى في الجملة كإطلاق لفظ اللَّه على الإله و إن خفي الموضوع له هل هو الذّات أو المعبوديَّة أو القادريّة لأنّا نقول إن ذلك يوجب الشك في أصل المسمّى قطعا و في هذا