كلام جماعة من القدماء كابن زهرة و الحلي و المرتضى فإن قلت هذا الإجماع معارض بمثله المحكي في كلام الشيخ و غيره و هو أرجح لاشتهاره بالشهرة المتأخرة العظيمة قلت اعتبار الشهرة مرجحا لا دليل قطعي عليه على تقدير منع حجيّة ظن المجتهد مطلقا إلا إذا كان ظنا مخصوصا مجمعا عليه فإنه لا يتصور دليل قاطع هنا سوى الإجماع و دعواه فيما نحن فيه كما ترى فإن المانع عن حجيّة أخبار الآحاد مثلا لا يمنع لكونها أخبار آحاد بل لأنها لا تفيد إلا ظنا و هذه القلة جارية في المقام فكلماتهم تمنع عن حجيّته أيضا و من هنا يظهر فساد دعوى الإجماع على حجية الظنون المحتاج إليها في الأخبار و الظنون المتعلَّقة بها متنا و سندا و دلالة كيف لا و أصل حجيتها مختلف فيه لا إجماع فيه أصلا فكيف يكون إجماع على حجية الظنون المتعلقة بها مضافا إلى فساد هذه الدّعوى من جهة حجّة أخرى ستقف عليها إن شاء الله تعالى فإن قلت المراد من الإجماع المدعى ليس إجماع الكل بل إجماع القائلين بحجية أخبار الآحاد و يعبّر عن مثله بالإجماع المركب قلت مثل هذا الإجماع على تقدير تسليم إفادته القطع في مثل ما نحن فيه و حجيته و كونه دليلا قاطعا إنما يجدي نفعا لو ثبت حجية نفس أخبار الآحاد أوّلا مع أنها غير ثابتة كيف لا و أنت بعد في صدد إثباتها بالآيات و لا دليل لك غيرها و قد عرفت أنه لا يتم إلا باعتبار المرجح الظَّني و إثباته بالإجماع المزبور دور فتأمل مع أنّ هذه الشهرة معارضة بالشهرة القديمة المحكية بل الظاهرة مضافا إلى تعدد النقلة و الاعتضاد بالأصول القطعيّة و لو لم تترجح هذه المرجّحات على تلك فلا أقل من المساواة و المكافاة فإن قلت غاية الاعتراض عدم جواز الاعتماد على مثل هذا المرجح الظني و مقتضاه تكافؤ الإجماعين المنقولين من الطرفين فيتساقطان في البين فيكون وجودهما كعدمهما فيبقى عموم الآيات الدّالة على حجية أخبار الآحاد سليمة عن المعارض طرا قلت القول بتساقط المتعارضين عند التكافؤ خلاف التحقيق عند المجتهدين و كذا الأخباريين لمصيرهم إلى التخيير كما عليه الأوّلون و التّوقف كما عليه الآخرون و كلاهما ينافيان المطلوب من وجوب العمل بأخبار الآحاد و تحتمه قطعا بحيث يكون مخالفتهما و طرحها حراما أمّا على التقدير الآخر فواضح و مقتضاه عدم جواز الخروج عن الدليل القطعي الدّالّ على عدم جواز العمل بالظن مطلقا و خصوص الأدلَّة القاطعة النافية للتّكليف كأصالة البراءة و نحوها في خصوص المسألة الَّتي وردت أخبار الآحاد بإثبات التّكليف فيها و أمّا على التقدير الأوّل فكذلك أيضا و إن كان فيه شائبة الوجوب لأن غايته الوجوب التخييري و هو خلاف المطلوب المجمع عليه بين الفريقين المانعين عن حجيّة الآحاد و المثبتين لها فإن الأولين يحرمون العمل بها و الباقين يوجبونه و يحرمون التخلف عنها مطلقا مع أن البناء على التخيير يوجب المحذور الَّذي قدمناه من استلزام ترك العمل بما عدا الظنون المخصوصة المجمع عليها مثلا الخروج عن الدّين من حيث لا يشعر تاركه و ذلك فإن محصّل التخيير و مفاده جواز ترك العمل بالآحاد مطلقا في المواضع كلها و الرّجوع إلى الأدلَّة القطعية و الظنون المخصوصة و لو بني على هذا و أخذ فقهه و حصّله كذلك لم يكن له من الدّين إلا رسمه و من الإسلام إلا اسمه فإن قلت لم يلزم ذلك و الحال أنه في كل مسألة اجتهاديّة وقع الخلاف فيها لو ترك العمل بما عدا الظنون المخصوصة و اتخذها خاصة حجّة فقد وافق قائلا من العلماء و لا يكون بذلك خارجا عن الدّين و لا عن طريقة المسلمين قلت إنه و إن وافق في كلّ مسألة قائلا من العلماء إلا أنه بعد رجوعه في جميع المسائل المختلف فيها الَّتي هي أكثر الأحكام الشرعية جدّا إلى ما عرفته خالف العلماء طرا إذ لم يوجد منهم من يرجع في جميع تلك المسائل إلى الظنون المخصوصة و يطرح جميع ما عداها و يعمل بمقتضاها خاصة بل إن عمل بعضهم في بعض المسائل كذلك لفقد دليل خاص قطعيّ أو ظنّي يخصّص به الأصول المزبورة لكنه يعمل في غيره بخلافها لقيام دليل قاطع عليه عنده أو ظنّي يخصّصها و لا قاطع لهذا الثالث إذ الَّذي يدّعيه و يخصّص به الأصول في جملة من المسائل إنما هو القدماء المتمكنون من تحصيله غالبا كما يفهم من المرتضى و ابن زهرة و أضرابهما و هذا لم يتمكن من ذلك جدّا و المفروض أيضا أنه لم يعتمد ظنيّا ( ظنا ) إذ لم يكن ظنّه ظنّا مخصوصا و بالجملة لا ريب و لا شبهة في أنّ المقتصر على الظنون المخصوصة في الأحكام الشرعية في نحو هذه الأزمنة كذلك لم يبق له أثر من الإسلام و الشّريعة و بملاحظة هذا يظهر بداهة وجوب اعتبار ظن آخر ما عدا الظنون المخصوصة المجمع عليها من نحو أخبار الآحاد و غيرها و حيث تساوت مراتبها في كونها ظنونا غير مخصوصة و لم يمكن ترجيح بعضها على بعض من هذه الجهة لا جرم جاز العمل بكلّ منها بل وجب حيث لا يعارضها أقوى منها بحسب القوّة و الضّعف و حيث ثبت جواز العمل بالظن مطلقا مخصوصا كان أو غيره ظهر أنّ التّكليف في أمثال هذه الأزمنة المنسد فيها باب العلم القطعي بالأحكام الشرعية إنما هو بالمظنة من حيث كونها مظنة و به ثبت الملازمة و يتضح كونها ضرورية و يتوجه ما ذكرنا من حجيّة الشهرة لأن الظن الحاصل منها أقوى من الظنّ الحاصل من أصالة البراءة و غيرها و إنما لم يذكر صاحب المعالم هذا الدّليل القاطع المتمم به الملازمة لوضوحه من الخارج غايته فكأنّه أحاله إلى الظهور الخارجي للبداهة و لو سلَّم عدم الإحالة فغايته أورد الاعتراض بمنع الملازمة عليه دون من يضم إلى ما ذكره من المقدّمات هذه المقدمة