responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : مفاتيح الأصول نویسنده : السيد محمد الطباطبائي الكربلائي    جلد : 1  صفحه : 413


حجابا بين العبد و بين كلّ محبوب فإذا عرف ذلك معرفة محققة بيقين غالب على قلبه ثار من هذه المعرفة تألم القلب بسبب فوات المحبوب فإن القلب مهما شعر بفوات محبوبه تألم فإن كان فواته بفعله تأسّف على الفعل المفوت فيسمى تألَّمه بسبب فعله لمحبوبه ندما فإذا غلب هذا الألم على القلب و استولى انبعث من هذا الألم في القلب حالة أخرى تسمّى إرادة و قصدا إلى فعل له تعلق بالحال و بالماضي و الاستقبال أما تعلَّقه بالحال فبالترك للذنب الَّذي كان ملابسا له و أما بالاستقبال فبالعزم على ترك الذّنب المفوت للمحبوب إلى آخر العمر و أما بالماضي فبتلافي ما فات بالجبر و القضاء إن كان قابلا للجبر فالعلم هو الأول و هو مطلع هذه الخيرات و أعني بهذا العلم الإيمان و اليقين فإن الإيمان عبارة عن التصديق بأن الذّنوب سموم مهلكة و اليقين عبارة عن تأكد هذا التصديق و انتفاء الشك عنه و استيلائه على القلب بأن النّدم فيه القلب حيث يبصر بإشراق نور الإيمان أنه صار محجوبا عن محبوبه كمن يشرق عليه نور الشمس و التلافي للماضي ثلاثة معان مترتبة في الحصول يطلق اسم التوبة على مجموعها و كثيرا ما يطلق التوبة على معنى الندم وحده و يجعل العلم كالسابق و المقدمة و الترك كالثمرة و التابع المتأخر و بهذا قال صلى الله عليه و آله الندم توبة إذ لا يخلو الندم عن علم أوجبه و أثمره و عن عزم يتبعه و يتلوه فيكون بطرفيه أعني ثمرته و مثمره و بهذا الاعتبار قيل في حد التوبة إنه ذوبان الحشا لما سبق من الخطأ فإن هذا المرض بمجرد الألم و كذلك قيل هو نار في القلب تلهب و صدع في الكبد لا يتشعب و باعتبار معنى الترك قيل في حدّ التوبة إنه خلع لباس الجفاء و نشر بساط الوفاء و قال سهل التستري التوبة تبديل الحركات المذمومة بالحركات المحمودة و لا يتم ذلك إلَّا بالخلوة و الصّمت و أكل الحلال و كأنه أشار إلى المعنى الثالث من التوبة و الأقاويل في حدود التوبة لا تنحصر و إذا فهمت هذه المعاني الثلاثة و تلازمها و ترتبها عرفت أن جميع ما قيل في حدها قاصر عن الإحاطة بجميع معانيها و طلب العلم بحقائق الأمور أهم من طلب الألفاظ المجرّدة أقول و في مصباح الشريعة عن الصادق عليه السلام قال التوبة حبل اللَّه و مدد عنايته و لا بد للعبد من مداومة التوبة على كل حال و كل فرقة من العباد لهم توبة فتوبة الأنبياء من اضطراب السرّ و توبة الأولياء من تلوين الخطرات و توبة الأصفياء من النفس و توبة الخاص من الاشتغال بغير اللَّه و توبة العام من الذنوب و لكل واحد منهم معرفة و علم في أصل توبته و منتهى أمره و ذلك يطول شرحه هاهنا فأما توبة العام فأن يغسل باطنه من الذنوب بماء الحسرة و الاعتراف بجنايته دائما و اعتقاد الندم على ما مضى و الخوف على ما بقي من عمره و لا يستصغر ذنوبه فيحمله ذلك إلى الكسل و يديم البكاء و الأسف على ما فاته من طاعة اللَّه و يحبس نفسه عن الشهوات و يستغيث إلى اللَّه تعالى ليحفظه على وفاء توبته و يعصمه عن العود إلى ما سلف و يروض نفسه في ميدان الجهاد و العبادة و يقضي الفوائت من الفرائض و يرد المظالم و يعتزل قرناء السوء و يسهر ليله و يظمأ نهاره و يتفكر دائما في عاقبته و يستعين باللَّه مسائلا منه الاستقامة في سرائه و ضرائه و يثبت عند المحسن كي لا يسقط عن درجة التوابين فإن في ذلك طهارة من ذنوبه و زيادة في عمله و رفعة في درجته قال الله عزّ و جلّ و ليعلمنّ الذين صدقوا و ليعلمن الكاذبين و في المواقف التوبة في اللغة الرجوع و في الشرع الندم على معصية من حيث هي معصية مع عزم أن لا يعود إليها إذا قدر عليها فقولنا الندم لما سيأتي و قولنا على معصية لأن الندم على فعل لا يكون معصية بل مباحا أو طاعة و لا يسمّى توبة و قولنا من حيث هي معصية لأن من ندم على شرب الخمر لما فيه من الصداع و نزف العقل و الإخلال بالمال و العرض لم يكن تائبا شرعا و قولنا مع عدم عزم أن لا يعود إليها زيادة تقرير و ذلك لأن النادم على الأمر لا يكون إلا كذلك و لذلك ورد في الحديث الندم التوبة و قولنا إذا قدر لأن من سلب عنه القدرة على الزنا و انقطع طمعه عن عود القدرة إليه إذا عزم على تركه لم يكن ذلك توبة قال في شرحه بعد قوله و ذلك لأن النادم إلى آخره و اعترض عليه بأن النادم على فعل في الماضي قد يريده في الحال و الاستقبال فهذا القيد احتراز عنه و ما ورد في الحديث محمول على الندم الكامل و هو أن يكون مع العزم على عدم العود و ردّ بأن النّدم على المعصية من حيث هي معصية يستلزم ذلك كما لا يخفى ثم قال بعد قوله و قولنا إذا قدرنا إلى آخره و فيه بحث لأن قوله إذا قدر ظرف لترك الفعل المستفاد من قوله لا يعود و إنما قيد به لأن العزم على ترك الفعل في وقت إنما يتصور ممن قدر على ذلك الفعل و تركه في ذلك الوقت ففائدة هذا القيد أن العزم على الترك ليس مطلقا حتى لا يتصور ممن سلب قدرته و انقطع طمعه بل هو مقيد بكونه على تقدير فرض القدرة و ثبوتها فيه فيتصور ذلك العزم من المسلوب أيضا و يؤيّد ما قررناه قول الآمدي حيث قال و إنما قلنا عند كونه أهلا لفعله في المستقبل احتراز عما إذا زنى ثم جب و كان مشرفا على الموت فإن العزم على ترك الفعل في المستقبل غير متصور منه لعدم تصور الفعل منه و مع ذلك فإنّه إذا ندم على ما فعل صحّت توبته بإجماع السّلف و قال أبو هاشم الزاني إذا جبّ لا يصحّ توبته لأنه عاجز عنه و هو باطل بما إذا تاب عن الزنا و غيره و هو في مرض مخيف فإن توبته صحيحة بالإجماع و إن كان جازما بعجزه عن الفعل في المستقبل هذه عبارته و أيضا فقول المصنف لم يكن ذلك توبة منه يدلّ على أنه مختار الكل و الأكثر فينافيه ما صرّح به من أن توبة المجبوب صحيحة عند أبي هاشم فتدبّر و في شرح التجريد للقوشجي التوبة هي النّدم على المعصية في الحال و العزم على تركها في الاستقبال و التحقيق أن ذكر العزم إنما هو للتقرير و البيان لا للتقييد

413

نام کتاب : مفاتيح الأصول نویسنده : السيد محمد الطباطبائي الكربلائي    جلد : 1  صفحه : 413
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست