و أشير إلى هذا في جملة من الكتب ففي المعارج لنا أن الدليل المقتضي لثبوت الحكم السّابق ثابت و الدليل الثاني ليس رافعا لمثل حكمه فلا يكون نسخا و في الإحكام أنه لا يكون ذلك نسخا للعبادة مطلقا لنا إذا كانت الصّلاة أربع ركعات فكل ركعتين منها واجبة فنسخ أحد الواجبين لا يوجب نسخ الواجب الآخر و كذلك إذا كانت صلاة واجبة و الطَّهارة شرطها فنسخ شرط الطهارة لا يكون موجبا لنسخ الصّلاة بل الوجوب باق بحاله و في شرح المختصر لنا لو كان نسخا للركعتين الباقيتين في الجزء و إلا رفع في الشرط فيفتقر في وجوبها إلى دليل غير الأول و أنه باطل بالاتفاق و في العدة حكى أبو عبد اللَّه البصري عن أبي الحسن الكرخي أنه كان يقول إن العبادة إذا نسخ بعضها لا يكون نسخا لجميعها و يجري ذلك مجرى العموم إذا خصّ أو استثنى منه فإن ذلك لا يكون تخصيصا للكل و للقول الثاني ما أشير إليه في جملة من الكتب و قد أشارت إلى الجواب عنه أيضا ففي المعارج بأن قالوا العبادة كانت مجزية بتقدير أن لا يفعل الشرط و قد صارت الآن مجزية فقد انتسخ الأجزاء قلنا لا نسلم أن ذلك فسخ لأنا بيّنا أن الأجزاء إذا لم يتضمنه الدليل الشرعي يكون معلوما بالعقل فلا يكون زواله نسخا و لو سلمنا أن ذلك إن نسخ لكان نسخا للأجزاء لا نسخا للعبادة و في شرح المبادي لا يقال رفع كون الركعة الباقية جزءا و صيّرها كلا لأنا نقول ذلك حكم العقل و رفع العقل ليس بنسخ و في شرح المختصر قالوا ثبت تحريمها بغير ركعتين و بغير طهارة ثم ثبت جوازها و وجوبها بدونهما الجواب المفروض أنه لم يتجدد وجوب بل أبطل الوجوب فقد بانت هو الوجوب الأول و الزيادة باقية على الجواز الأصلي و إنما الزائد وجوبهما فارتفع حكم شرعي لا إلى حكم شرعي فلا يكون نسخا و في الإحكام فإن قيل إذا أوجب الشارع أربع ركعات ثم نسخ منها وجوب ركعتين فقد نسخ وجوب أصل العبادة لا أنه نسخ البعض و تبقية للبعض فإن الركعتين الباقيتين ليست بعضا لأربع بل هي عبادة أخرى و إلا فلو كانت بعضها منها لكان من صلى الصبح أربع ركعات آتيا بالواجب و زيادة كما إذا وجب عليه التصدّق بدرهم فيتصدق بدرهمين و إن سلمنا أن وجوب الركعتين باق بحاله غير أنهما كانت قبل نسخ الركعتين لا تجزي و قد ارتفع نسخ الركعتين الزّائدتين حيث صارت تجزي و كان يجب تأخير التشهد إلى ما بعد لارتفع و قد ارتفع ذلك و هو عين النسخ و على هذا يكون الحكم فيما إذا نسخ شرط العبادة فإنها كانت قبل النسخ لا تجزي و قد ارتفع ذلك بنسخ الشرط قولهم إن الركعتان عبادة أخرى غير العبادة الأولى إن أرادوا بالغيرية أنها بعض منها و البعض غير الكل فهو الإحكام و لكن لا يكون نسخا للرّكعتين و إن كان نسخا لوجوب الكل و إن أرادوا به أنها ليست بعضا من الأربع فهو غير الإحكام قولهم لو كانت بعضا من الأربع لكان من صلَّى الصبح أربعا قد أتى بالواجب و زيادة قلنا و لو لم يكن بعضا من الواجب الأول بل عبادة أخرى لاقتصرت في وجوبهما إلى ورود أمر يدل على وجوبهما و هو خلاف الإجماع و حيث لم يصحّ صلاة الصبح بالإتيان بالأربع ركعات إنما كان لإدخال ما ليس من الصّلاة فيها قولهم إنها كانت قبل نسخ الركعتين لا يجزي قلنا إن أردتم به وجوب القضاء فهو نسخ لا لنفس العبادة قولهم إنه كان يجب تأخير التشهد إلى ما بعد الأربعة ليس كذلك فإن التشهد بعد الركعتين جائز نعم غايته أنه لو لم يكن واجبا و عدم وجوبه لبقائه على العدم الأصلي فرفعه لا يكون نسخا شرعيا على ما عرف و على هذا فقد عرف الجواب عن قولهم إن العبادة لا تجزي دون الطهارة ثم صارت مجزية و للقول الثالث ما ذكر في العدة فقال الَّذي ينبغي أن يعتمد في هذا الباب أن يقال العبادات الشرعية قد تكون جملة ذات الشروط كالصّلاة و تكون فعلا واحدا و له شروط و قد يكون فعلا مجردا فإذا كانت العبادات فعلا واحدا فالنسخ إنما يصحّ فيها بأن يسقط وجوبها و لا يصحّ أن ينسخ بعضها لأنه لا بعض لها فأما نسخ شروطها فإنه لا يجب نسخها و كذلك نسخ شروط الجملة التي هي ذات الشروط لا يوجب نسخها لأن من حق الشروط أن يكون في حكم التابع للمشروط لأنه لا يجب لأجله و ليس في نسخه تغير حال المشروط فأما إن نسخ بعض تلك الجملة كنسخ ركوع أو سجود فإن ذلك يوجب نسخ الجملة لأن تلك الجملة لو وقعت في المستقبل على الحد الذي كانت واجبة و إلا لم يجز و وجب إعادتها فصار نقصان القبلة بمنزلة إخراج الصلاة عن كونها واجبة أو جائزة فلذلك وجب أن يكون نسخا و هو بمنزلة الزيادة أيضا في هذا الوجه فيجب أن يكون مثلها في أنه نسخ و للقول الرابع ما ذكره في النهاية فقال احتج المرتضى بأن نسخ الركعة يقتضي نسخ وجوب أصل العبادة لا أنه نسخ للبعض و إبقاء للباقي فإن الركعتين الباقيتين ليست بعض المثلثة بل هي عبادة أخرى و إلا لكان من صلَّى الصبح ثلثا آتيا بالواجب كما أن يتصدق بدرهم فتصدق بالدرهمين ثم أجاب عن هذه الحجة فقال و الجواب إن أردت بالمغايرة أنها بعض منها و البعض مغاير للكل الإحكام و لكن لا يكون نسخا للركعتين و إن كان نسخا لوجوب الكل و إن أردت أنها ليست بعضها من الثلث فهو غير مسلم قوله و إلا لكان من صلى الصبح إلى آخره قلنا و لو لم يكن بعضا من الواجب الأول بل هو عبادة أخرى فتقر وجوبها إلى ورود أمر يدل على وجوبها و هو خلاف الإجماع و إنما لم يصح الصّبح عند الإتيان بثلاث لإدخال ما ليس من الصلاة فيها انتهى و المسألة في غاية الإشكال و التحقيق أن يقال إن القائل بأن نسخ جزء العبادة و شرطها يستلزم نسخ العبادة إن أراد أنه يلزم الحكم بكون الأجزاء الباقية