تفسير البيان بهذه المتعلَّقات الَّتي هو التّعريف و الدّليل و المطلوب الحاصل منه و قد اختلف النّاس في ذلك فقال أبو بكر الصيرفي و جماعة أن البيان هو التعريف و فسّره بأنّه إخراج الشيء من حيز الإشكال إلى حيّز الوضوح و التجلَّي و قال أبو عبد اللَّه الحسن بن عليّ البصري إن البيان هو العلم الحاصل من الدليل الَّذي يبيّن به الشيء و قال السيّد المرتضى رحمه الله و الشيخان أبو علي و أبو هاشم هو الدّلالة و قال أبو الحسين البصري البيان منه عام و هو الدلالة يقال بين لنا فلان كذا بيانا حسنا فيوصف دلالته و كشفه بأنه بيان و يقال دللت فلانا على الطَّريق و بينته له فلما اطرد منه ذلك حقيقة و منه خاص و هو المتعارف عند الفقهاء و هو كلام أو فعل دال على المراد بخطاب لا يستقل بنفسه في الدلالة على المراد و يدخل فيه بيان العموم و قال الغزالي و أكثر المعتزلة أن البيان هو الدّليل لأن من ذكر دليلا لغيره و أوضحه غاية الإيضاح يصحّ أن يقال إنه بيان حسن و قد تمّ بيانه و يساويه إلى الدّليل و قيل البيان هو الَّذي دلّ على المراد بخطاب لا يستقل بنفسه في الدّلالة على المراد و قال الشافعي البيان اسم جامع لمعنى مجتمعة لأصول متشعبة الفروع و أقلّ ما فيه أنه بيان لمن نزل القرآن بلسانه و قال قوم البيان هو الكلام و الحظ و الإشارة و في المختصر و شرحه قال القاضي و الأكثر البيان الدليل و في الأحكام ذهب القاضي أبو بكر و الغزالي و أكثر أصحابنا و أكثر المعتزلة كالجبائي و أبي هاشم و أبي الحسين البصري و غيرهم إلى أن البيان هو الدليل و هو المختار و أشار إليه فيه كما في الذريعة و العدّة و المختصر و شرحه إلى مذهب أبي عبد اللَّه البصري الَّذي أشار إليه في النهاية و كذلك أشار كما في المختصر و شرحه إلى مذهب الصيرفي الَّذي أشار إليه في النهاية < فهرس الموضوعات > الثالث < / فهرس الموضوعات > الثالث لا إشكال و لا شبهة أنّ لفظ البيان و ما يشتق منه إذا ورد في الكتاب و السّنة كان اللازم حمله على المعنى اللَّغوي الأصلي الموافق للعرف العام و على هذا لو أمر بالتبين في خبر و نحوه كما في قوله تعالى إن جاءكم فاسق بنبإ إلى آخره فهل الواجب تحصيل العلم بصدق المخبر و ثبوت الشّيء فلا يجوز الاعتماد على الظنّ فيكون البيان مخصوصا بالعلم أو لا بل يكون الواجب تحصيل القدر المشترك بين العلم و الظن و هو الرجحان المطلق فيصحّ حينئذ التمسّك بالآية على حجيّة الموثق و الحسن و المنجبر بالشهرة و نحوها مما يفيد الظنّ لا باعتبار عدالة الرّاوي لتحقق امتثال الأمر و هو الأمر بالتبيّن فيها على التّقدير المذكور كما لا يخفى و هو يقتضي الإجزاء فيلزم حجيّتها فيكون من الظنون المخصوصة كخبر العدل فيه إشكال و لكن الأقرب عندي هو الاحتمال الأول لوجوه منها أن المتبادر من العبارات المتضمنة لتفسير البيان باعتبار اللَّغة المتقدّم إليها الإشارة هو العلم كما لا يخفى بل هو المتبادر من العبارات المتضمنة لتفسيره باعتبار الاصطلاح كما لا يخفى أيضا و منها أن المتبادر من لفظ البيان و ما يشتق منه في العرف هو العلم فيكون حقيقة فيه لأن الأصل في التّبادر دلالته على الحقيقة فيكون في اللَّغة كذلك لأصالة عدم النّقل و للقطع بعدم النقل في العرف العام و منها صحّة السّلب عن الظن قطعا و هو دليل المجاز نعم قد يدعى صدقه حقيقة على الظن الَّذي ثبت حجيته و لكن هذا لا يوجب تصحيح التمسّك المزبور كما لا يخفى < فهرس الموضوعات > مفتاح < / فهرس الموضوعات > مفتاح ذكروا أن البيان يقع بأشياء منها القول و قد صرح بوقوع البيان به في الذريعة و العدة و الغنية و المعارج و النهاية و التهذيب و المنية و المعالم و الزبدة و غاية المأمول و المعراج و في النهاية و الإحكام و الزبدة البيان بالقول إجماعي و في غاية المأمول لا خلاف فيه و في المعارج و التهذيب و النهاية هو ظاهر و في العدة قد بيّن النّبي أكثرها بذلك و في الذريعة بين لنا بالكلام جميع الأحكام انتهى و ما ذكروه هو المعتمد الذي لا ريب فيه و ذكر له أمثلة أحدها ما أشار إليه في المعالم و غاية المأمول و المعراج فقالوا كقوله تعالى صفراء فاقع لونها الآية فإنه بيان لقوله سبحانه إنّ اللَّه يأمركم أن تذبحوا بقرة و زاد في الثاني فقال و ما يقال إنّ في هذه مناقشة إذ هو من تقييد المطلق لا من بيان المجمل لأن الكلام في البيان مطلق أي فيما يعمّ بيان المجمل و غيره فتقييد المطلق أيضا بيان نعم يحتمل كونها من باب النسخ فيكون ابتداء تكليف نظر إلى تفهمهم و سواء لهم و ثانيها ما أشار إليه أيضا في الكتب في عهد الصّحابة و من بعدهم في بيان صفة الحجّ إلى أفعال النّبي صلَّى اللَّه عليه و آله و سلم و بيّنوا بذلك قوله أقيموا الصّلاة و للَّه على النّاس حج البيت فلو لا أنّهم علموا أن ذلك يقع به البيان و إلا لم يجز الرجوع إليه انتهى و لا يقال لا نسلم أن البيان حصل بنفس الفعل بل بقوله صلوا كما رأيتموني أصلي لأنا نقول هذا باطل لأن بيان الصّلاة و كيفيتها إنّما حصل بنفس الفعل إذ ليس في الحديث المذكور دلالة على ذلك بوجه و إنما غايته الدّلالة على وقوع الفعل بيانا كما لا يخفى و قد أشار إلى ما ذكرناه من الجواب في الذريعة و النهاية و العدة و غاية المأمول و الإحكام و شرح المختصر كما عن أبي الحسين و ثالثها ما ذكره في الذريعة و العدة و المعارج و النهاية و التهذيب و المنية و المعالم و النهاية المحصول و الإحكام و المختصر و شرحه و المعراج