في غير المعنى الموضوع له بعناية من العنايات الخارجية . فإذا صح ذلك فكيف لا يصح هذا ، مع أنه من الغلط الواضح ، بل لو تكلم به شخص لرمي بالسفه والجنون ؟ ! وعلى ضوء بياننا هذا يتضح لك جليا : أن المعنى الحرفي والاسمي ليسا بمتحدين ذاتا ، ولا اشتراك لهما في طبيعي معنى واحد ، بل هما متباينان بالذات والحقيقة ، فإن هذا هو الموافق للوجدان الصحيح ، ولأجله لا يصح استعمال أحدهما في موضع الآخر . ويرد على النقطة الثانية : أن لازمها صيرورة جملة من الأسماء حروفا لمكان ملاك الحرفية فيها ، وهو لحاظها آلة ومرآة : كالتبين المأخوذ غاية لجواز الأكل والشرب في قوله تعالى : * ( وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض . . . الآية ) * [1] فإنه قد اخذ مرآة وطريقا إلى طلوع الفجر ، من دون أن يكون له دخل في حرمة الأكل والشرب وعدمها ، فبذلك يعلم : أن كون الكلمة من الحروف لا يدور على لحاظه آليا [2] . وبتعبير آخر : إذا كان الملاك في كون المعنى حرفيا تارة واسميا أخرى هو اللحاظ الآلي والاستقلالي ، وكان المعنى بحد ذاته لا مستقلا ولا غير مستقل ، فكل ما كان النظر إليه آليا فهو معنى حرفي ، فيلزم محذور صيرورة جملة من الأسماء
[1] البقرة : 187 . [2] وفي هامش أجود التقريرات في بيان هذا الإيراد ما نصه : مضافا إلى أن لحاظ المعنى آلة لو كان موجبا لكونه معنى حرفيا لزم منه كون كل معنى اسمي يؤخذ معرفا لغيره في الكلام وآلة للحاظه ، كالعناوين الكلية المأخوذة في القضايا معرفات للموضوعات الواقعية معنى حرفيا . كما أن لحاظ المعنى حالة لغيره لو كان موجبا لكونه معنى حرفيا لزم منه كون جميع المصادر معاني حرفية فإنها تمتاز عن أسماء المصادر بكونها مأخوذات بما أنها أوصاف لمعروضاتها ، بخلاف أسماء المصادر الملحوظ فيها الحدث بما أنه شئ في نفسه مع قطع النظر عن كونه وصفا لغيره . راجع أجود التقريرات : ج 1 ص 15 و 16 .