يعجز عنه جماعة من أهل ذلك العصر أو يعجز عنه واحد منهم ، فإنها محدودة بحد خاص . وقد تلخص من ذلك أمران : الأول : أن أهل اللغة ليسوا بحاجة إلى وضع ألفاظها للمعاني التي تدور عليها الإفادة والاستفادة في جميع العصور ليقال : إن البشر لا يقدر على ذلك ، بل يمكن الوضع بشكل تدريجي في كل عصر حسب تدريجية الحاجة إلى التعبير عنها . الثاني : أننا لسنا بحاجة إلى وضع جميع الألفاظ لجميع المعاني ، فإن الوضع لما يزيد عن مقدار الحاجة لغو محض . وأما الثاني وهو : ( أن الواضع لو كان بشرا لنقل ذلك في التواريخ ، لأن مثل هذا العمل يعتبر من أعظم الخدمات للبشر ، ولذلك تتوفر الدواعي على نقله ) فيرد عليه : أن ذلك إنما يتم لو كان الواضع شخصا واحدا أو جماعة معينين . وأما إذا التزمنا بما قدمناه من : أن الواضع لا ينحصر بشخص واحد أو جماعة معينين ، بل كل مستعمل من أهل تلك اللغة واضع بشكل تدريجي فلا يبقى مجال للنقل في التواريخ . نعم ، لو كان الواضع شخصا واحدا أو جماعة معينين لنقله أصحاب التواريخ لا محالة . ومما يؤكد ما ذكرناه : ما نراه من طريقة الأطفال عندما يحتاجون إلى التعبير عن بعض المعاني فيما بينهم ، فإنهم يضعون الألفاظ لهذه المعاني ، ويتعاهدون ذكرها عند إرادة إبراز ما يختلج في أذهانهم من الأغراض والمقاصد ، ولا نجدهم يتخلفون عن هذه الحال ، حتى أنهم لو عاشوا في مناطق خالية من السكان لتكلموا بلغة مجعولة لهم لا محالة ، ولا نعني بالوضع إلا هذا التعهد وهذا الالتزام ، واليه أشار تعالى بقوله : * ( خلق الإنسان علمه البيان ) * [1] ، وذلك وإن كان ينتهي إليه تعالى ،