وتوضيحه : أن الشئ تارة يلاحظ مطلقا ولا بشرط ، واخرى يلاحظ مقيدا بقيد ، وذلك القيد : إما أن يكون مباينا للإنسان ، أو مساويا له ، أو عاما ، أو خاصا . فإن لوحظ على النحو الأول فثبوته وإن كان للإنسان وغيره ضروريا إلا أنه خارج عن الفرض . وإن لوحظ على النحو الثاني فإن كان القيد الملحوظ فيه أمرا مباينا للإنسان امتنع ثبوته له ، كما إذا لوحظ الشئ مقيدا بالطيران إلى السماء - مثلا - أو ما شابه ذلك ، فإنه بهذا القيد يستحيل صدقه عليه ، فالامتناع - حينئذ - ضروري . وإن كان القيد أمرا مساويا له فهو : إما أن يكون ممكن الثبوت له أو ثبوته ضروري ، فعلى الأول : القضية ممكنة كقولنا : " الإنسان ضاحك أو متعجب أو كاتب " . وعلى الثاني : ضرورية ، كقولنا : " الإنسان متكلم أو ناطق " . وإن كان عاما فثبوته له دائما ضروري كقولنا : " الإنسان حيوان أو ماش أو جوهر " وما شاكله . وإن كان خاصا فثبوت الإنسان له ضروري على عكس المقام ، كقولنا : " زيد إنسان " ، " العربي إنسان " ، " العجمي إنسان " ، وهكذا . . . وهذا - أي : ثبوت الإنسان للأخص منه - إنما يكون ضروريا إذا لوحظ الإنسان لا بشرط . وأما إذا لوحظ بشرط شئ من العلم أو الكتابة أو ما شاكل ذلك فلا يكون ثبوته لزيد أو نحوه ضروريا ، بل هو ممكن وإن كان ثبوته لمن هو متصف بهذا الشئ فعلا ضروريا . والسر في جميع هذا : هو أن المحمول ليس ذات المقيد بما هي ، بل المقيد بما هو مقيد على نحو خروج القيد ودخول التقيد . وعلى هذا الضوء يتبين : أن ثبوت مفهوم الشئ بما هو ومطلقا لما صدق عليه وإن كان ضروريا إلا أنه لا يستلزم أن يكون ثبوته مقيدا بقيد ما وبشرط شئ أيضا كذلك ، لما عرفت من اختلاف القيود وجوبا وإمكانا وامتناعا [1] .