فإطلاق لفظ " القمر " على حسن الوجه واستعماله فيه صحيح وإن فرض أن الواضع لم يأذن فيه ، بل منع عنه [1] ، هذا . وذهب المشهور إلى الثاني ، وأن ملاك صحة استعمال اللفظ في المعنى المجازي إذن الواضع وترخيصه ، سواء أكان مما يقبله الطبع أم لا . وعلى الجملة : فعلى القول الأول تدور صحة استعمال اللفظ في المعنى المجازي وعدم صحته مدار حسنه طبعا وعرفا ، وعدم حسنه كذلك ، سواء أكان هناك إذن نوعي من الواضع أيضا أم لم يكن . وعلى القول الثاني تدور مدار الوضع النوعي وجودا وعدما ، كان حسنا عند الطبع والعرف أيضا أم لم يكن . والتحقيق في المقام أن يقال : إن البحث عن ذلك يبتني على إثبات أمرين : الأول : وجود الاستعمالات المجازية في الألفاظ المتداولة بين العرف . الثاني : انحصار الواضع بشخص واحد أو جماعة ، وإلا فلا مجال لهذا البحث ، فإنا إذا التزمنا بأن كل مستعمل واضع حسب تعهده فهو لم يتعهد إلا بإرادة المعنى الموضوع له عند عدم القرينة على الخلاف . وأما مع وجود القرينة فلا مانع من الاستعمال ، وحيث لم يثبت كلا الأمرين فلا موضوع لهذا البحث . أما عدم ثبوت الأمر الأول فلإمكان أن نلتزم بما نسب إلى السكاكي : من أن اللفظ يستعمل دائما في المعنى الموضوع له ، غاية الأمر : أن التطبيق قد يكون مبتنيا على التنزيل والادعاء ، بمعنى : أن المستعمل ينزل شيئا منزلة المعنى الحقيقي ويعتبره هو فيستعمل اللفظ فيه فيكون الاستعمال حقيقيا [2] ، ولا بعد فيما نسب إليه ، فإن فيه المبالغة في الكلام ، الجارية على طبق مقتضى الحال . وهذا بخلاف مسلك القوم ، فإنه لا مبالغة فيه ، إذ لا فرق - حينئذ - بين قولنا :
[1] انظر كفاية الأصول : ص 28 . [2] مفتاح العلوم : ق 3 فصل 3 في الاستعارة ص 156 ( طبع دار الكتب بيروت ) .