الواضحات التي لا تخفى على أحد ، فإن هذا يستلزم أن يكون سماع اللفظ وتصوره علة تامة لانتقال الذهن إلى معناه ، ولازمه استحالة الجهل باللغات ، مع أن إمكانه ووقوعه من أوضح البديهيات . وإن أراد ( قدس سره ) به ثبوتها للعالم بالوضع فقط دون غيره فيرد عليه : أن الأمر وإن كان كذلك - يعني : أن هذه الملازمة ثابتة له دون غيره - إلا أنها ليست بحقيقة الوضع ، بل هي متفرعة عليها ، ومتأخرة عنها رتبة ، ومحل كلامنا هنا في تعيين حقيقته التي تترتب عليها الملازمة بين تصور اللفظ والانتقال إلى معناه . وذهب كثير من الأعلام والمحققين ( قدس سرهم ) إلى أن حقيقة الوضع حقيقة اعتبارية ، ولكنهم اختلفوا في كيفيتها على أقوال : القول الأول : ما قيل [1] : من أن حقيقة الوضع : عبارة عن اعتبار ملازمة بين طبيعي اللفظ والمعنى الموضوع له ، وحقيقة هذه الملازمة متقومة باعتبار من بيده الاعتبار - أي : الواضع - كسائر الأمور الاعتبارية من الشرعية أو العرفية . ثم إن الموجب لهذا الاعتبار والداعي إليه إنما هو قصد التفهيم في مقام الحاجة ، لعدم إمكانه بدونه . ولكن لا يمكن المساعدة عليه ، وذلك لأنه لو أريد به اعتبارها خارجا - بمعنى : أن الواضع جعل الملازمة بين اللفظ والمعنى في الخارج - فيرده : أنه لا يفيد بوجه ما لم تكن الملازمة بينهما في الذهن ، ضرورة أن بدونه لا يحصل الانتقال إلى المعنى من تصور اللفظ وسماعه . وعلى تقدير وجودها وثبوتها فالملازمة الخارجية غير محتاج إليها ، فإن الغرض - وهو : الانتقال - يحصل بتحقق هذه الملازمة الذهنية ، سواء أكانت هناك ملازمة خارجية أم لم تكن ، فلا حاجة إلى اعتبار المعنى موجودا في الخارج عند وجود اللفظ فيه ، بل هو من اللغو الظاهر .
[1] القائل المحقق العراقي تقريرا عنه في نهاية الأفكار : ج 1 ص 25 - 26 .