مناسبة ذاتية بينهما [1] . وفيه : أنه لو أريد بذاتية الدلالة : أن الارتباط الذاتي والمناسبة الذاتية بينهما بحد يوجب أن يكون سماع اللفظ علة تامة لانتقال الذهن إلى معناه - فبطلانه من الوضوح بمكان لا يقبل النزاع - فإن لازم ذلك تمكن كل شخص من الإحاطة بتمام اللغات ، فضلا عن لغة واحدة . ولو أريد أن الارتباط المزبور والمناسبة المزبورة بينهما بحد يوجب أن يكون سماع اللفظ مقتضيا لانتقال الذهن إلى معناه - أي : أن المناسبة اقتضائية لا علة تامة - ففيه : أن ذلك وإن كان بمكان من الإمكان ثبوتا وقابلا للنزاع - إذ لا مانع عقلا من ثبوت هذا النحو من المناسبة بين الألفاظ ومعانيها ، نظير الملازمة الثابتة بين أمرين ، فإنها ثابتة في الواقع والأزل ، بلا توقف على اعتبار أي معتبر أو فرض أي فارض ، وبلا فرق بين أن يكون طرفاها ممكنين ، أو مستحيلين ، أو مختلفين ، إذ صدقها لا يتوقف على صدق طرفيها فهي صادقة مع استحالتهما كما في قوله تعالى : * ( لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا ) * [2] . نعم ، إن سنخ ثبوتها غير سنخ ثبوت المقولات : كالجواهر والأعراض ، ولذا ليست داخلة تحت شئ منها - إلا أنه لا دليل على ثبوتها كذلك في مرحلة الإثبات ، فلا يمكن الالتزام بها . وأما ما قيل : من أنه لولا هذه المناسبة بين الألفاظ والمعاني لكان تخصيص الواضع لكل معنى لفظا مخصوصا بلا مرجح ، وهو محال : كالترجح بلا مرجح ، أي : وجود حادث من دون سبب وعلة [3] فيرد عليه : أولا : أن المحال هو الثاني دون الأول ، بل لا قبح فيه ، فضلا عن الاستحالة إذا كان هناك مرجح لاختيار طبيعي الفعل ، مع فقد الترجيح بين أفراده ومصاديقه على ما يأتي بيانه في " الطلب والإرادة " إن شاء الله تعالى .
[1] نسبه في القوانين : ج 1 ص 194 إلى عباد بن سليمان الصيمري وأصحاب التكسير . [2] سورة الأنبياء الآية 22 . [3] فوائد الأصول : ج 1 ص 30 .